الرئيسية / آراء ومقالات / قضية الإيغور.. والتلاعب بالحقائق

قضية الإيغور.. والتلاعب بالحقائق

بعضًا من الأمانة.. والحكاية ليست بلي الأذرع..

السيد شبل/ كتاب وباحث سياسي من مصر.

مجموعة إيغورية تكفيرية تقاتل ضد الجيش العربي السوري

بحسب أغلب المصادر فإن القومية المسلمة الأكبر داخل الصين هي قومية الهوي، وليس الإيغور، لكن هناك جهات تتهافت من أجل تسجيل كل مولود جديد من الإيغور، وربما تضيف إليه واحدًا من خيالها!… مع تحديث سريع لأعداد الإيغور على شبكة الانترنت، ليبدو أن الإيغور هم القومية الأكبر، في المقابل فإن آخر الأرقام المنشور لأعداد الهوي هي من سنوات مضت، ولم يتم تجديدها.. والسبب أن قومية الهوي تعيش بشكل طبيعي في كافة مناطق الصين، وإن كانت تتركز في المناطق الشمالية الغربية، وهي متناغمة تماما مع السلطات، وتتحدث اللغة الصينية، ويمارس متدينوها العبادة بشكل آمن وعادي تماما، وبالتالي فإن نشر أعداد الهوي الحقيقية والإشارة إلى أنهم القومية الأكبر ويعيشون في أمان، هو أمر يتضاد مع المخطط الذي يستهدف التجارة بالعواطف الدينية للمسلمين. أما مع الإيغور الذين يتركزون في إقليم شينجيانغ، فالوضع مختلف، لأن ثمة مشروع سلفي/انفصالي/أردوغاني يتحرك بينهم (دون أن يؤدي ذلك إلى القول بأن جميع الإيغور على هذا النحو.. ويمكنك أن تقيس على مصر التي تنشط فيها جماعة الإخوان، أو سورية التي تنشط فيها حركات داعشية وقاعدية، دون أن يعني ذلك أن كل المصريين والسوريين هم إخوان ودواعش.. كذلك الإيغور، فمنهم قطاعات عديدة تؤيد السلطة الصينية، وتحاول توضيح الحقائق للعالم الإسلامي، كما فعل قربان جان صمد في كتابه 《أنا من شينجيانغ》، وكما يفعل العديد من أئمة المساجد الذين يزورون دولا عربية.. لكن يضيع جهدهم تحت تأثير البروبجندا)..

على أية حال، حتى لو جارينا بعض المصادر التي تشير إلى أن الإيغور هم القومية المسلمة الأكبر، اعتمادًا على إحصائية تقول بأن عددهم داخل الصين يساوي ١١.٣ مليون (عدد الإيغور الإجمالي حوالي ١٢ مليون لأنهم يتواجدون في دول أخرى مثل كازخستان وأوزباكستان وقيرغيزستان.. إلخ)، في المقابل فإن عدد الهوي بحسب إحصائية ٢٠١١ (والتي تحتاج إلى تحديث) يساوي ١٠.٥٨ مليون.. أي أن الفارق -بالنسبة لمن يعتبرون الإيغور هم القومية الأكبر- أقل من مليون.. (بحسب الإحصائية التي اعتمدتها DW الألمانية في ٢٠١٦، فإن عدد الإيغور أقل من ١٠ مليون )..

وبالتالي يظل السؤال قائمًا: لماذا لو كانت الصين تستهدف المسلمين -كمسلمين- تترك العشرة ملايين ونصف مليون هوي، وتصوّب نحو الإيغور حصرًا، ناهيك عن ثماني قوميات مسلمة أخرى أقل عددًا؟

لا بد أن السبب شيء آخر بعيد عن الدين، وهو ليس إلا مكافحة الحركات السلفية العنيفة والانفصالية والمدعومة من دول غربية وخليجية بالإضافة إلى تركيا، بالضبط كما تفعل أي دولة تواجه متطرفين انفصاليين.

(وبما أن الحديث قد تعرض إلى تركيا، فتجدر الإشارة إلى أن ميليشيات الذئاب الرمادية، وهي تتبع حزب قومي حليف للعثمانيبن الجدد، ينفذ عمل عسكري بالفعل دعمًا لمتطرفي الإيغور.. والأمر لا يحتاج سوى زيارة الصفحات التي تعرّف بتلك الميليشيا Grey wolves organizatin).

بالعودة إلى أصل الموضوع.. فإنك ربما ستتفاجأ أساسا لو عرفت أنه في الاضطرابات العنيفة التي شهدها إقليم شينجيانغ عام ٢٠٠٩، والتي تاجر بها الغرب عبر الدُمى التي يحركها من أمثال المليونيرة ربيعة قدير صديقة جورج بوش، كان المعسكران المتخاصمان فيها يشملان مسلمين (نعم، مسلمون يقتلون بعضهم البعض.. ألا يحدث في ريف مصر وصعيدها -كمثال على البيئة المتأخرة حضاريًا- أن تتقاتل عائلتان أو منطقتان مسلمتان؟!).. على أية حال كان الطرف الأول في اضطرابات شينجيانغ عام ٢٠٠٩ التي مات فيها نحو ٢٠٠، يتشكل من متطرفي الإيغور، أما الطرف الثاني فلم يكن من الهان (القومية الصينية الأكبر) وحدهم، بل كان من الهوي المسلمين أيضا.. لدرجة أن الشعار الذي نشره متطرفو الإيغور وقتها، هو (( اقتلوا الهان.. اقتلوا الهوي “المسلمين”..)).. وذلك لأن متطرفي الإيغور وانفصالييهم ينظرون للهوي إما ككفار أو كعملاء لبكين (بالضبط، وللتبسيط، فالأمر كما السلفي الجهادي العربي الذي يكفّر جنود وضباط الجيش والشرطة في مصر وسورية وليببا والجزائر، ويستحلّ دماءهم، رغم أنهم مسلمون.. مع الانتباه إلى تلك النزعة العرقية الانفصالية لدى قطاع من الإيغور، والتي تجعلهم ينظرون إلى إخوانهم في الدين من الهوي كغرباء وربما محتلين ل”أرضهم التركية”!).

التاريخ الحديث، دون الغرق في بحوره، يقول أن الاحتكاكات الدموية بين المسلمين والمسلمين على أساس عرقي قائمة في الصين، وإليك مثلا مذبحة كيزيل التي تم ارتكابها بواسطة الإيغور الانفصاليين ضد الهان وضد المسلمين الهوي عام ١٩٣٣، وهناك معركة كاشغار عام ١٩٣٤ لمنع انفصال المنطقة وقُتل فيها إيغور على يد مسلمين من الهوي.. وإلخ.

العجيب في هذا “الهوس الديني الفيسبوكي” بحقوق المسلمين الضائعة أنه يتجاهل الإيذاء الحقيقي الذي يلحق بمسلمي الهوي المتواجدين في منطقة التبت، وأنهم بالفعل يتعرضون لعنف من قبل بعض “البوذيين” الراغبين في الانفصال عن الصين، وفي احتجاجات عام ٢٠٠٨ التي حركها عميل المخابرات الأمريكية “الدالاي لاما” ضد السلطات الصينية، ألحق التبتيّون الضرر بالهوي المسلمين المحسوبين على دولة الصين، وأحرقوا محلاتهم.. لكن أحدًا في العالم الإسلامي لم يتحرك من أجل “نصرة الهوي”، بل أن أحدًا لم يسمع بها أصلا.. والسبب أن الجهة التي تسيء إلى “المسلمين” على وفاق مع البيت الأبيض وجزء من مشروع انفصالي/رجعي.

الحقيقة أنه لو تحرر العقل من التعصب وادخر عواطفه لمرحلة لاحقة على اتخاذ القرار الصائب، لفهم أن المسلمين في أي مكان بالعالم، هم كمسلمي بلاده، أي أنهم ليسوا كتلة مصمتة تتحرك في اتجاه واحد وتتعرض لشيء واحد.. حتى الهوي أنفسهم، بينهم طوائف تتضاد، وأثرياء وفقراء (عاااادي)، وبينهم صوفية يحاولون التصدي -ركّز في الآتي- للنشاط السلفي التبشيري الذي تدعمه السعودية وقطر وجمعيات خليجية أخرى، أي أن “الهوي” أيضا مجتمع طبيعي، كمجتمعك المسلم في الوطن العربي، فيه الصوفي والوهابي والعلماني وغير المكترث والملحد (عااااادي، مرة ثانية).

أما ما يتردد في الدوائر الإعلامية الغربية، ثم تنقله وسائل الإعلام العربية، وتروجه الميليشيات الالكترونية الإخوانية والليبرالية المتحالفة معها عن 《معسكرات》 لبعض الإيغور.. فهي بالفعل ليست إلا دورات لإعادة التأهيل الثقافي والسياسي، لمنع خريجيها من الأفكار المتطرفة والانفصالية، ودفعهم لكي يكونوا ((مواطنين)) لهم ما للجميع وعليهم ما عليهم، وهذا مسلك تقوم به جميع الدول، أو يجب عليها أن تقوم به، وإن كانت تجري في تلك التجمعات تجاوزات (مع ملاحظة أن تلك التجمعات يكون المجلوبين إليها هم من السلفيين المتطرفين العدوانيين) فهي تستحق الإدانة، دون أن تجرنا الإدانة للتضامن مع حاملي الأفكار المتطرفة أو الرجعية.. وبالنهاية الصين كدولة لزاما عليها أن تحارب الأفكار الدينية المتطرفة، كما من مسؤولياتها أن تحافظ على الطابع العلماني/الحداثي للمجتمع، وهذا لا يتعلق بالمسلمين وحدهم بل بأي طائفة دينية أخرى تميل إلى الانزواء أو التمايز أو التطرف أو التحريض الطائفي ورفض التعايش أو الإخلال بالأمن.. لكن ما ناحية ممارسة العبادات فهي مكفولة، وعشرات الآلاف من المساجد متوفرة في الصين وتدعم الدولة بنفسها ماليا المؤسسات الدينية الإسلامية.

وكان مجموعة من علماء الدين المسلمين في شينجيانغ قد وجهوا رسالة للرأي العام العالمي في الصيف الماضي (يوليو ٢٠١٩)، معترضين على تدخل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في شؤونهم، وأوضحوا فيها أن السلطات الصينية وبهدف معالجة مشكلة التطرف من جذورها، أنشأت مراكز للتعليم والتدريب بهدف مساعدة من اتجهوا نحو الإرهاب والتطرف حتى يعودوا للمسار الصحيح.. موضحين أنهم زاروا العديد من تلك المراكز، وشاهدوا محتوى الدورات التي تركز على تدريس اللغة والقوانين الصينية، وتعطي دورات تدريب مهنية حتى تؤهل الملتحقين لسوق العمل، وأكدوا أن المتدربين ينعمون بالحرية، حيث يمكنهم زيارة منازلهم أسبوعيا، فيما تمكن الكثير منهم حاليا من العثور على وظيفة بعد اكتسابهم المهارات في تلك المراكز، وأشاروا إلى أنه يوجد في شينجيانغ 24400 مسجد و29 ألف رجل دين، و10 كليات دينية من بينها معهد شينجيانغ الإسلامي الذي يسجل فيه أكثر من 1300 طالب سنويا.

وبالمثل جاءت تصريحات عادل الحاج كريم نائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية لمراسل جريدة الراية في إبريل ٢٠١٧، لينفي تعرض المسلمين للاضطهاد لافتاً إلى وجود أقلية من مسلمي الصين لديهم أفكار متشددة ولديهم مشروع انفصالي وإرهابي، و”هم يريدون فرض فهم للشريعة على عكس الدستور الذي يكفل لكل أتباع الديانات ممارسة عقائدهم بحرية تامة”، مؤكدا وجود ٢٣ مليون مسلم وأكثر من ٤٠ ألف مسجد و10 معاهد إسلامية، وأن الحكومة تهتم بأمورهم، وعلى سبيل المثال قدمت 100 مليون يوان لإنشاء وصيانة مباني الكلية الإسلامية الصينية، وأكد أيضا أن المسلمين يصومون بصفة عادية في شهر رمضان، وتقام موائد الرحمان، ويحجون في موسم الحج، وأنه ليس هناك حظر للحجاب في الصين، لكن النقاب ليس من عادات وتقاليد القوميات الصينية المسلمة، بالتالي فهو ممنوع، وأن ثمة مسلمين في الصين تولوا مناصب قيادية كبيرة مثل أركن أمير باقي من قومية الإيغور نائب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب. وأيضاً نائب رئيس المجلس الاستشاري السياسي الصيني مسلم.

أخيرا، وليس آخرًا، ما يجري الآن لا يزيد عن كونه جزء من خطة أمريكية لاستهداف الصين، فالمخطط الغربي يتحرك عبر التبت وتايوان ومنطقة شينجيانغ (وهي بوابة للصين على وسط آسيا، وغنية بالنفط والغاز والمعادن، وتملك موقع استراتيجي، وقد استهدف الجيش الأمريكي التّماس الحدودي معها حين احتل أفغانستان في عام ٢٠٠١).. أما الدور الذي تقوم به الهيئات الإيغورية في الدول الغربية كالمؤتمر العالمي للإيغور (تأسس في ٢٠٠٤) أو الرابطة الأمريكية الإيغورية (تأسست في١٩٩٨)، والتي تتلقى دعما معلنا من هيئات مرتبطة بالمخابرات الأمريكية مثل “نيد”، ويلتقط قادتها صورا مع الزعماء الغربيين (راجع صور ربيعة قدير مع جورج بوش داخل وخارج البيت الأبيض)، فإن دورها بالأساس هو تقديم الغطاء الناعم للحركات التكفيرية العنيفة النشطة في شينجيانغ ومناطق صينية أخرى منذ أواخر الثمانينات ومطلع التسعينيات وحتى اليوم، وأبرزها هو الحزب الإسلامي التركستاني (حركة تركستان الشرقية الإسلامية سابقا)، التي أسسها “حسن محسوم” كامتداد لحالات شبيهة سابقة، وقد ارتكبت تلك الحركة بين عامي 1990 و2001 أكثر من 200 عمل إرهابي، مما أسفر عن مقتل 162 شخصًا على الأقل وأكثر من 440 إصابة، ولها عمليات أخرى في أعوام ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ و٢٠١٠ و٢٠١٣ و٢٠١٤ و٢٠١٥ و٢٠١٦ و٢٠١٧.. وهذا التنظيم ضالع اليوم في الحرب على سورية في المناطق الشمالية الغربية بالتعاون مع جبهة النصرة، أي أن ضرر هذا التنظيم المرتبط منذ ميلاده بالقاعدة وجميع الأسماء العربية المعروفة في عالم الإرهاب قد ارتد علينا ليخرّب في محافظة إدلب السورية وغيرها، بالتعاون والتحالف مع رجب طيب أردوغان، وقد تواجدت في مصر أيضا مجموعات إيغورية سلفية تدرس بالأزهر ومناصرة للإخوان وللمجموعات التكفيرية في سورية، وتركزت في حي مدينة نصر، وتعاملت معها الأجهزة الأمنية وقتها عبر التحقيق والترحيل “وسط صخب وإدانة من حانب المنظمات الحقوقية الغربية ومنصان الإعلام القطري” ..

 

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();