الرئيسية / آراء ومقالات / تقرير معهد كارنيغي حول الاحتجاجات اللبنانية: بعد الاحتجاجات اللبنانية ما بين حزب الرب وحزب الشعب.

تقرير معهد كارنيغي حول الاحتجاجات اللبنانية: بعد الاحتجاجات اللبنانية ما بين حزب الرب وحزب الشعب.

بعد الاحتجاجات اللبنانية ما بين حزب الرب وحزب الشعب..

قبل القراءة: يأتي تقرير معهد كارنيغي للدراسات ومقره بيروت في سياق التصريحات الأمريكية مؤخراً عبر تخيير اللبنانيين بين استمرار وجود حزب الله كحزب عسكري مقاتل، وبين نزع سلاحه، لذا ننشر ترجمة تقرير معهد كارنيغي الذي أعدته مديرته الحالية مها يحيى، لذا فالمقال يعبر بالضرورة عن رأي معهد كارنيغي وليس عن رأي حزب الحركة، ولا عن برنامج الحزب السياسي ولا عن رؤيته للواقع السياسي العربي. 

مها يحيى هي مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط ، حيث تركز أبحاثها على المواطنة والتعددية والعدالة الاجتماعية في أعقاب الانتفاضات العربية.

كتبت مديرة معهد كارنيغي في الشرق الأوسط مها يحيى

في 28 تشرين الأول، استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من رئاسة الحكومة بعد مرور أسبوعين على الاحتجاجات التي اندلعت عبر لبنان إثر إعلان ضريبة الواتس آب، والتي سرعان ما تحولت هذه الإحتجاجات إلى إدانة عامة للقيادة السياسية في البلاد، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية المتصاعدة ونظام الطائف.

بلد في أزمة

وصل الاقتصاد اللبناني إلى نقطة الإنهيار بدين عام يقدر بنحو 150% على الناتج المحلي الإجمالي، ونمو اقتصادي سلبي، وتفاقم أزمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية ناهيك عن التضخم الاقتصادي الذي أثر على أسعار السلع الأساسية حيث بلغ ارتفاع بعضها إلى 15% و 30% .

وفي نفس الوقت وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية فإن لبنان تقع في المرتبة 138 بين أكثر الدول فساداً على المستوى العالمي، وفي حين أن نقطة التحول المؤدية للاحتجاجات كانت عدم الرضا الشعبي عن المستوى الاقتصادي، و اتضح أن هناك فجوة ثقة كبيرة بين الأحزاب السياسية اللبنانية وبين قواعدهم الشعبية، حيث تحمل هذه القواعد مسؤولية تردي الأوضاع وسوء الإدارة والفساد السياسي إلى الطبقة السياسية الحاكمة والقادمة عبر هذه الأحزاب.

وضمن انتقادات الشعب اللبناني هو نظام الطائف الذي يصوغ العملية السياسية وإدارة البلاد، والذي من خلاله يتم توزيع الحقائب الوزارية من أجل تمثيل التنوع الطائفي في لبنان، وهو ما مكن أمراء الحرب الأهلية من اختطاف التمثيل المجتمعي وإنشاء شبكات رعاية إجتماعية فاسدة تخص هؤلاء على نفقة الدولة.

لماذا هذه الاحتجاجات كانت مختلفة؟

ما ميز هذه الاحتجاجات هو انتقاد الزعماء السياسين من كل جهة، وقد اتسع السخط الجماهيري ليطال كل النخبة السياسية، حيث لم يسلم أي زعيم من النقد.

ربما كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو المعارضة التي ظهرت من داخل الطائفة الشيعية ، والتي نادراً ما تنتقد علناً قادة الحزبين السياسيين الرئيسيين ، حزب الله وحركة أمل.

رد فعل حزب الله

جاء رد فعل حزب الله عبر أمينه العام حسن نصر الله في خطابين ألقاهما حيث عبر في البداية عن تفهمه لإحباط المحتجين، مع رفضه مطالبهم باستقالة الحكومة، وعقد انتخابات مبكرة على أساس القانون الجديد، واستمر في تصوير الاحتجاجات على أنها جزء من مؤامرة وضع فيها لبنان بما في ذلك تأزيم لبنان اقتصادياً لتقويض حزب الله واسقاط شرعيته، واختار إدامة الوضع الراهن الذي يحمي حزب الله، وهو ما يشبه رد فعل الأحزاب الموالية لإيران في العراق تجاه المظاهرات الاحتجاجية المندلعة خلال الفترة الماضية في العراق حيث قتل مئات من المتظاهرين خلالها، وهو ما يتسق مع خطاب السيد علي خامنئي في توصيفه للاحتجاجات في لبنان والعرق بالمؤامرة الأمريكية ضد بلدانهم.

السقوط السياسي

قدم الحريري استقالته في أعقاب الاحتجاجات بسبب عدم رغبة شركائه في إيجاد حل للأزمة الراهنة في لبنان، وهذا قد احتفظ ووفر  له بعض الشعبية في الطائفة السنية، وقد كان لهذه الخطوة أثر كبير في إضعاف شريك حزب الله المسيحي ما ظهر في الهتافات المسيئة والكارهة لشخص باسيل، وهو ما خلق خطاباً يتساءل عن كيف يكون حزب الله بطلاً في أعين اللبنانيين وهو يشارك طبقة فاسدة في الحكم؟ ماهو معروف عن حزب الله أنه مدافع عن الفقراء والمضطهدين، ووجوده في السلطة يجعله في صف المساواة مع كل الطبقة السياسية الحاكمة في الفساد وتجنب مساءلة الفاسدين، وهو ما جعل من شعبية حزب الله تتآكل في بنية الطائفة الشيعية داخل لبنان مثل غيرهم من اللبنانيين.

اضطر حزب الله وهو حزب عسكري عقائدي بطريركي وذا طبيعة هرمية صارمة إلى إجراءات مالية صارمة وذلك بتقليص مخصصات الرعاية الإجتماعية التي يقدمها بسبب نقص التمويل الذي يعاني منه، وهذا ما يصعب من مسألة معالجة المعارضة الداخلية في مواجهة الاحتجاجات في الشارع، مما جعله يستخدم خطاب الترهيب بقوته العسكرية، وهذا يطرح السؤال الملح، إلى أي مدى قد يذهب حزب الله لمنع وجود معارضة له في الشارع؟

حتى الآن اقتصر فعل حزب الله على إرسال بعض البلطجية لتفريق المحتجين في بيروت وجنوب لبنان بمشاركة حركة أمل، والتي مارست البلطجة على المتظاهرين في قرى وبلدات الجنوب اللبناني كما أخبرني أحد الناشطين في تلك المناطق متسائلاً : ما الخطأ في تركنا نعبر عن آرائنا؟ إننا جائعون، ويردون علينا أنت مسير من قبل الخارج.

تحرك للأمام

تكمن مشكلة الرئيس عون إذا قدم أي تنازلات في الظهور بمظهر الضعيف، لذا فهو يلجأ للقوة التي لن تؤدي إلا لتسريع الانهيار الاقتصادي في لبنان، بما يؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطرة، وبالنظر إلى الأوضاع القائمة، فما يتعين على الطبقة السياسية اللبنانية فعله، هو التحرك بسرعة لتشكيل حكومة مقبولة شعبياً، حيث لم يعد من الممكن القبول بحكومات على نفس القاعدة القديمة، فالأمر لم يعد مقتصراً على انهيار اقتصادي وخسارة الليرة اللبنانية لقيمتها الحالية فقط، بل ويرى المواطن اللبناني نفسه أمام كابوس اختفاء معاشه ومدخراته، مما يهدد أكثر من نصف سكان لبنان بالفقر المدقع، وقد تكون النتائج عن هذا أخطر بكثير مما نراه الآن في مظاهر الاحتجاجات القائمة.

ثلاثة خيارات

أمام الوضع الحالي فالراجح أن حزب الله سيقوم بالتفاوض وحلفاؤه مع الأطراف السياسية الأخرى على أحد الخيارات الثلاثة:

الخيارالأول: هو مطالبة الحريري بتشكيل حكومة مختلطة من التكنوقراط والمستقلين المرشحين عبر الأحزاب اللبنانية، ولكن هذا الخيار غير مرجح في هذه المرحلة، لأن حزب الله رفض هكذا خيار في ذروة الاحتجاجات قبل أن يستقيل الحريري.

الخيار الثاني: وهو الأكثر ترجيحاً ويكون عبر تشكيل حكومة إنقاذ وطني برئاسة الطائفة السنية، مستبعدة توزير أي شخص له علاقة بالفساد، أو مزيجاً من السياسين المستقلين المرشحين عبر الأحزاب تقدم هذه الحكومة خطة إصلاح اقتصادية وهو ما تقتصر عليه مهمامها، حيث لا يكون من ضمن مهام هذه الحكومة سن قانون انتخابات أو تنظيم عملية انتخابات مبكرة كما طالب المحتجون، وهو ما يرجح أن تتوافق عليه جميع الأطراف السياسية في لبنان خوفاً من تدهوا الأوضاع في البلاد إذا ما تأخرت أكثر من هذا.

الخيار الثالث: وهو الأقل ترجيحاً حيث يتبنى حزب الله بالتنسيق مع أمل والتيار الوطني الحر موقفاً رافضاً من شأنه أن يعرض لبنان إلى خطر أكبر، حيث يمكن أن يتم تشكيل حكومة باستبعاد تيار المستقبل، وهو ما قد يفسر على أنه استيلاء من قبل حزب الله على السلطة السياسية في لبنان، واستعراض قوة على الشعب اللبناني، الأمر الذي قد يودي بلبنان إلى حافة الفوضى وزعزعة استقراره، وهو ما يعارض مصالح حزب الله المباشرة في إيجاد حاضنة مستقرة سياسياً واجتماعياً له نظراً لحجم التحديات الإقليمية التي يواجهها.

الصحوة الوطنية

في هذه اللحظة يتم صناعة التاريخ في لبنان، حيث يقف لبنان وشعبه في أحد أهم منعطفاته التاريخية الممتدة لمائة عام، وما يقود هذه اللحظة هو الشعور بالصحوة الوطنية، والتطلع إلى الانتقال إلى حالة سياسية تستند على حقوق ومسؤوليات المواطن، وهو ما قد ينعكس في إيجاد تغيير اجتماعي أساسي سيؤثر بالضرورة على مستقبل لبنان، الجميع على المحك فالقيادة السياسية تستطيع أن تتماهى مع الشارع وتوجه لبنان لمستقبل أكثر إشراقاً واستدامة، أو ينتهي بهم المطاف إلى الحرب الأهلية بكل مرارتها.

المصدر: https://carnegie-mec.org/2019/11/01/after-lebanon-protests-between-party-of-god-and-party-of-people-pub-80255

 

 

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();