الرئيسية / آراء ومقالات / ما يطلبه حراك لبنان من حزب الله.

ما يطلبه حراك لبنان من حزب الله.

الكاتب والباحث محمد فرج/ الأردن.

منذ انطلاقة حزب الله إلى يومنا هذا، شكلت التطورات السياسية المتسارعة في لبنان من الحرب الأهلية واتفاق الطائف واغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان إلى التحركات الأخيرة في الشارع اللبناني؛ عامل ضغط دائم على المشروع المقاوم، و فرضت على حزب الله التكيف مع مرحلة تلو الأخرى بحيوية وديناميكية عالية، كي لا يشكل العامل الداخلي عنصراً مدمراً لمشروع المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وهذا ما قد تريده عدد من التيارات السياسية في لبنان، المرتبطة باقتصادات الغرب والمهووسة بطريق التسوية مع “إسرائيل” !

التجربة المرة في ثلاث مراحل.
ثلاث مراحل سياسية متباينة مر بها الحزب منذ انطلاقته؛ الأولى التي عبر فيها في الثمانينيات عبر رسالته المفتوحة عن عدائه الصريح والمباشر للنظام اللبناني المرتبط عضوياً بالكيان الصهيوني، فخاض حرباً مركبة على جبهتين، ونظم احتجاجات شعبية واسعة ضد المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، ولم يعترف بالحكومة التي تشكلت تلبية لمهمات المفاوضات، واعتمد اللغة التعبوية الثورية في خطابه. الثانية في التسعينيات، كانت بعد انتهاء الحرب الأهلية وسقوط خطوط التماس ، وإعلان اتفاق الطائف، وإجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة برئاسة رفيق الحريري. فرضت الظروف السياسية آنذاك تحجيم قوة الحزب النيابية، واختار الحزب الحفاظ على مشروع المقاومة، وتحقيق نجاحات سياسية تلجم أي حكومة من محاصرة المشروع المقاوم، ونجح في ذلك عبر تفاهم تموز 1993م، وتفاهم نيسان 1996م، بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، ومحاولة “إسرائيل” عبر تحالفات داخل لبنان تأليب الجمهور اللبناني ضد المقاومة . لقد اختار الحزب لهذه المرحلة الاكتفاء بقوة نيابية محدودة، والتركيز على استكمال مشروع المقاومة، واجتاز بذلك ظروف المرحلة الثانية. في المرحلة الثالثة، وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والانسحاب السوري، ومحاولات تدويل الأزمة، لم يكن أمام الحزب إلا التقدم خطوة إضافية إلى الأمام والمشاركة في الحكومة، لسد الفراغ السياسي الناشئ، ومنعاً لقواعد سياسية جديدة تحاول تطويق سلاح المقاومة وتسهيل التدخلات الخارجية في لبنان، مع الإشارة إلى بقاء الحزب بعيداً عن الحقائب الوزارية للمالية والاقتصاد الوطني والتجارة التي تشكل عملياً – حسب الشعارات التي يرفعا حراك لبنان اليوم – الأسباب الجذرية للأزمة الجديدة؛ أي أن حزب الله لم يكن من التيارات السياسية التي لعبت الدور الأساسي في صياغة الاقتصاد اللبناني المعتمد على الاستدانة الدائمة (155% من الناتج المحلي الإجمالي).

عن الموجة الرابعة، حراك لبنان.
انتفض اللبنانيون تحت شعار معيشي خالص، أعطى صورة ما فوق طائفية للتحرك، وهو المشهد الذي يعتبر الأكثر استثنائية في لبنان الآن.
طالب شق من الحراك حزب الله بالنزول إلى الشارع مشاركة للناس في مطالبها الاجتماعية، في حين أصر شق آخر على وضع الحزب في خانة السلطة الفاسدة تحت الوسم التعميمي “كلن_يعني_كلن”. وهنا تجدر الإشارة لعدد من الملاحظات الأساسية حول حزب الله والمرحلة السياسية الجديدة التي فرضها التحرك الشعبي:
أولاً: رسم حزب الله منذ نشأته “خطوط التماس” في علاقته مع مؤسسات الدولة وطور من خطابه بخصوصها على إيقاع أولويات مشروع المقاومة ضد الكيان الصهيوني، ولم يشارك في الحكومة إلا بعد القلق من ظروف التدويل ومحاصرة مشروع المقاومة عام 2005م، وكانت المشاركة محدودة (غالباً في وزارة الشباب والرياضة وشؤون الدولة لمجلس النواب وأحياناً الصناعة)، وبقي بعيداً عن الحقائب الوزارية الاقتصادية (مكتفياً بالتصويت النيابي ضد قرارات رفع الضرائب)، مما يجعل في شعار كلن_يعني_كلن شكلاً من أشكال المساواة العدمية، والتعميم المتسرع.
ثانياً: يخشى حزب الله من موجة رابعة قد تكون ظروفها أكثر تعقيداً من سابقاتها، وتتمثل في الفراغ السياسي المطلق، وهذا لا يشبه المرحلة الأولى التي تطلبت عداء واضح وصريح للنظام العميل، ولا الثانية (التي تطلبت قوة نيابية محدودة)، ولا الثالثة (التي تطلبت تدخلاً سريعاً محدوداً أيضاً في جسم الحكومة)، ولا حتى الفراغ الرئاسي الذي تم حله عبر “العهد” بوجود حكومة ومجلس نواب. إن ما يخشاه حزب الله هو الفراغ السياسي المطلق (الرئيس والحكومة ومجلس النواب) الذي يجعل المسافة إلى الفوضى أقصر، وهو ما سيشغل حزب الله عن مشروعه المقاوم، وهذا ما تريده جهات خارجية كثيرة، وربما داخلية أيضاً. وهذا ما يفسر إصرار حزب الله على علاج مطالب الحراك عبر الحوار، أكثر من التيارات السياسية المسؤولة مباشرة عن الملف الاقتصادي داخل الحكومة. كان جلياً في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، الانطلاق من المطالب المحقة والإشارة للمحاذير، وليس وضع المحاذير في مواجهة المطالب وإلغائها، وثمة فارق كبير بين الحالتين يستدعي الانتباه.
ثالثاُ: حرصاً على البلاد من الفوضى، كان التشديد في خطاب سماحة السيد على عزل القوى السياسية عن الحراك واضحاً، فإضافة إلى القلق من الأجندات الخارجية والسفارات، فإن القوى السياسية التي تحاول امتطاء الحراك قد تذهب إلى حل تدميري شامل، فعند العجز عن تعديل زاوية في اللوحة، يمكن اللجوء إلى تمزيقها وخطها من جديد؛ أي أن بعض القوى السياسية التي عجزت عن منع حزب الله من تجميد مشروعه المقاوم عبر قواعد اللعبة القائمة، قد تضطر إلى تفكيك كامل للمشهد لإعادة تركيبه عبر قواعد جديدة. وهذا ما قد يفسر الاصطفاف “الأعمى” لعدد من القوى السياسية -المسؤولة أساساً عن الأزمة – إلى جانب الحراك بجميع مطالباته، والمسارعة إلى تنفيذها (الاستقالة مباشرة من الحكومة).
رابعاً: الإصرار على مشاركة حزب الله في التحرك، يتطلب بالضرورة الحوار معه حول اقتراحاته للخروج من الأزمة، وهذه الاقتراحات لن تخرج من فلك الخط العام الذي رسمته الوثيقة السياسية للحزب عام 2009م، والتي امتلأت بعبارات العداء للرأسمالية المتوحشة، ومشروع الهيمنة الغربية، والنظام الاستكباري العالمي، والأزمة البنيوية في النموذج الرأسمالي المتغطرس.
لو قبل الحراك سماع الحل الشامل الذي يمكن لحزب الله أن يقدمه في السياسة والاقتصاد، لعرض الحزب حزمة واحدة من ثلاثة عناصر “ديمقراطية مقاومة، ومقاومة عسكرية، ومقاومة اقتصادية متمثلة بحلول جذرية قد تصل حد الامتناع عن سداد الدين للمؤسسات الدولية”، فهل يقبل اللبنانيون الوصفة للمقاومة الاقتصادية بعد أن جربوا نجاعة المقاومة العسكرية؟

نجح الفيتناميون عندما قبلوا باقتراح مماثل قدمه هوتشي منه !

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();