الرئيسية / آراء ومقالات / هذا الوطن لا أعرفه.

هذا الوطن لا أعرفه.

مهند الصبّاح/ القدس المحتلة.
هذا الوطن لا أعرفه، تشابهت عليّ الأوطان واختلطت الألوان بشكل فوضاوي، لم أعد قادرا على التميز بين الأبيض والأسود وحتى الرمادي أصبح باهتا يشبه الغرغرة، كل شيء فيه غرغرة، حدوده غرغرة، مقدساته والبشر فيه غرغرة… لم يكن هكذا أبدا! أنا أذكر وطني جيدا، أذكره في صرخات النساء المتجمهرات حول طفل عالق بين يدي الجنود، كلهن يصرخن ” هذا ابني… خلوه .. هذا ابني” ويتنازعن جسده كثقوب سواء تحاول ابتلاع جسم فضائي. وطني راية بأربعة ألوان، تخبئها من عيون الحاقدين، وتلفّ جسد شهيد بها حين يُزفّ محمولا على الأكتاف. لم يكن في وطني بيوتا متعددة، بل كان بيتا واحدا فقط، بيت مترامي الأطراف ومتعدد الغُرف، يأوي إليه المطاردين والهاربين من بنادق الصياد، هو المأوى وفيه السكينة! هو الملاذ واستراحة المُحارب. في وطني الذي أعرفه انشودة لو قيلت لاعتزّت الأرض وانحرفت عن درّب التبّانة المُعتم ” فدائي … فدائي ” يا إلهي كم كان للكلمة من معنى وتأثير! يا ربّ لماذا فقدت الكلمة قدسيّتها؟! كلمة لم تكن تموت حين تُقال بل تبعث الروح من جديد، تصبّرك على تحمّل الانكماش في البيت أيّام حظر التجوّل الطويلة، تجعلك تمارس التأمّل الوطني في ظلام مصطنع كي يستر الذين يخطّون الشعارات الثوريّة على جدران الشوارع … كنت حين أشاهد الملثّمين يرجمون الثكنات العسكريّة المتنقلة فلا استطيع التفرقة بين الألوان الجهويّة، ومن كان لا يقوى على ممارسة فعل الرجم من الأطفال، يمدّهم برؤوس البصل حين يعمّ دخان الغاز، والنسوة يتفرجن متباهين بأولادهم الراجمون وكن على أهبة الاستعداد للتدخّل إذا ما لزم الأمر للإنقاذ… وطني كان أم الرشراش وسعسع، وطني كان الغور والشيخ مؤنس. وطني كان…
من سرق وطني مني؟! من حوّله إلى جهاز هضمي؟! يهضم كلّ شيء، الأبناء والنساء والحلم الوردي! من سرق الوطن مني وفسّح ألوان الراية إربا؟! من نشر الجسّساسة بين البيوت وأصبحا كالسّنافر نهرب من القطّ هرهور وقلعة شرشبيل ؟!
خربوط؟ أهو من تلاعب بالأحرف وحرّف الكلمات واختزل المعاني؟! أم هي البكتيريا المُعشعشة في ثنايا الجهاز الهضمي؟
وطني كان قناع على الوجه، ومقلاع باليد، وراية ترفرف، وأنشودة تروي الحكايّة …. أمّا هذا الوطن فليس لي!

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();