الرئيسية / آراء ومقالات / مقالات / كيف نقرأ الاحتجاجات العراقية.

كيف نقرأ الاحتجاجات العراقية.

وائل إدريس/ ليبيا

في عام 2014 خرجت ماتُعرف بثورة العشائر في المناطق السنية في العراق ، فرح بها وتحمس لها الكثيرين علی انها ثورة الطائفة المحسوبة علی المقاومة – رغم ان هذه الطائفة ايضا اوصلت الهاشمي صديق بوش وحزبه للسلطة في العراق – والبعض الآخر اعتبرها عودة للبعث – الذي أصبحت قياداته تُبارك للنظام السعودي مواقفه علی الرغم من ان هذا النظام شارك بشكل رئيسي في تدمير العراق وتسليمه لأمريكا – وطبعا لأن قيادة العراق وجل الطبقة السياسية جاءت علی دبابة الامريكي ، فكان الأمر بمثابة أن من يناهض هذه الطبقة بالمفترض أنه يقدم مشروع وطني ، لم يتجاوز الأمر إلا أشهر قليلة حتی ظهرت طبيعة هذه القوی التي خرجت من رحمها متمثلة في تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” ، بالرغم من ارتباط شخصية فاسدة حاكمة كالمالكي بحزب الدعوة – العميل أصلا – وبالأمريكي ، إلا أنه وقف مع الدولة السورية ولم يضربها كما فعلوا جيرانها كلهم بلا استثناء واحد ، لسبب بسيط وهو ان هناك تناقضات وتقاطعات في حلفاء أمريكا وحلفاء ايران داخل العراق ، وهناك مواجهة باردة مستمرة منذ عام 2003 ، بين إيران وأمريكا تتقاطع وتتناقض فيها مصالح الطوائف مع قياداتهم مع الاحتلال الامريكي مع تأييد إيران ضد هذا الأمريكي في أحيان أخری ، لذلك ظهرت داعش كأداة مستخدمة عند الأمريكي ضد هذا النظام الذي لم يسير للنهاية مع أمريكا في ضرب سوريا ، ولأن داعش استخدمت ضد سوريا وضَربت الجيش السوري في المناطق الشرقية من سوريا وشمالها ، مما أضعف قدرات الجيش السوري ضد جبهة النصرة – التي كانت حليفة داعش عندما كانت الأخيرة متمثلة في تنظيم الدولة في الرافدين – وكذلك أمام باقي الميليشيات الجهادية الأخری في كل مناطق سوريا من الغوطة وريف دمشق إلی درعا وأدلب ، فمن هنا جاءت ثورة العشائر كمشروع أمريكي ضد المقاومة في المنطقة وان تخلَّل ظهورها بمواجهة نظام المحاصصة والفساد والتبعية في العراق.

أي نستنتج أن وجود نظام تابع وفاسد لا يكفي لتأييد الثورة عليه خصوصا عندما تتقاطع مصالح هذه السلطة مع مصالح المقاومة في جانب معين ، وخصوصا عندما نری ان هناك توجه جديد غذته أحداث مواجهة داعش بظهور الحشد الشعبي الذي تم قصفه من الطيران الصهيوني قبل أسابيع والذي كان مُكمِّلا لنسق التعاون الايراني السوري ، بالاضافة إلی ذهاب حكومة المهدي شرقا للصين لتوقيع عدة عقود وفتح معبر البوكمال مع سوريا علی غير رغبة الأمريكي ، واخرها عمليات قصف أرامكو التي تؤمَّن أكثر من عشرة مليون برميل نفطي للمركز الرأسمالي ، من هنا علينا ان نقارب هذا السياق الدولي والاقليمي لنفهم طبيعة مايحدث في العراق ، خصوصا عندما نری ان الاحتجاجات الأخيرة لا رأس لها ولا قيادة ولا تهتم بوجود الأمريكي ولا بقواعده بل تركز فقط علی ايران ، وايران فقط.

هذه الأمور كالعادة تخدع الربيعيين بشقيهم الليبرالي واليساري ، هم حتی لم يشرحوا لنا سبب خيباتهم في السودان ، والسودان هنا تصلح كمثال علی حالة النظام والبديل التابع – بل الأكثر تبعية بالعادة – عندما لا نقرأ الاجتماع السوداني جيدا وتعتقد بوجود جماهير تقودها طليعة شيوعية ونقابية ثم بعد أول اتفاق مع المجلس العسكري تختفي هذه الجماهير والطليعة معًا ، من الطبيعي أن يكون مصير رؤيتك الفشل.

لسبب بسيط وهو لا وجود لبروليتاريا في السودان ولا وجود لها بطبيعة الحال في العراق ، بل قرابات وقبائل واثنيات علی شكل أحزاب فقط ، وبدل من أن ينتقد هذا اليسار نفسه علی مواقفه في السودان وفشل تجربته ، ذهب للعراق ليكرر نفس تجربته بناءً علی وجود النظام التابع والهيمنة ! وهل أنتجت ثورة السودان مثلا قوی وطنية ! بل لم تبدأ الاضطرابات في السودان إلا بعد ذهاب البشير إلی سوريا ، ومواقف الأخير منذ 2011 ليست سوی ترجمة لضعف الدولة القُطرية فقط وحاجتها للرساميل الخليجية بعد ضياع نفط الجنوب منه ، الذي أنتج تراكم الأزمات في السودان إلی أن انتهت بحالها هذا ، وسيكون العراق أمريكيا خالصًا ، ليس بالضرورة بسقوط الحكومة بل حتی من خلال اعتبار الثورة سوط علی المهدي والحشد من بعده ، ليعدل حركته الكاملة نحو الأمريكي فقط ، فأكثر مايمكن ان تصنعه هذه الاحتجاجات هناك ، هو اضعاف الخندق السوري اللبناني الايراني اليمني ، في مواجهة الأمريكي وتكون انت عن جهل متكرر ولصيق دائم بك تنوح علی النتائج التي أنت أيدتها من البداية.

لا نشتري النظام العراقي ببصلة فاسدة ، لكن بدون قراءة اجتماعية لمعرفة أصحاب المصلحة في مناهضة أمريكا والغرب لا نؤيد أي احتجاجات مهما كانت مُحقة في مطالبها واحتياجاتها.

نعم الفقر مشكلة والفساد مشكلة ، لكن حتی مع سقوط الطبقة الحالية في العراق لن يتغير نموذج الفساد ، لأنه نمط معاش المجتمعات القرابية في الكيانات الريعية.
التخلص منه يحتاج الی مواجهة الهيمنة الغربية ، والبحث عن كل عوامل وشروط الوحدة والتي لا تكون إلا بخلخلة الهيمنة والوجود الأمريكي في المنطقة وماتفعله هكذا احتجاجات سوى انها تطيل من وجود الأمريكي وتساعده بإستخدام أزماته ذاتها التي ولَّدت الفقر والتخلف ، أي إنها ستعزز فقر الناس وعذاباتهم ، أي إنك أنت الذي تؤيد الاحتجاجات التي لا بوصلة لها ، من يدعم افقار الناس وليس نحن ، تأمل يا فاشل ، ليبيا أمامك ، وسوريا أمامك ، والواقع خير برهان.

عن harka

شاهد أيضاً

معركة فيروس كورونا

الكاتب والمحلل السياسي والاقتصادي: محمد أحمد البشير. يوم السابع من نيسان من عام ١٩٤٧ تأسس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();