الرئيسية / آراء ومقالات / مقالات / بوليفيا ومناهضة الهيمنة الأمريكية

بوليفيا ومناهضة الهيمنة الأمريكية

السيد شبل/مصر

يبدو لغير الناظر بدقة أن العالم صار خالي تمامًا من بؤر المقاومة للنفوذ والهيمنة الأمريكية، لكن الحقيقة بخلاف ذلك، وأن ثمة حراك معارض لمسارات النهب التي تتبناها النخبة الحاكمة للبيت الأبيض، معارضة لا تتكشف فقط في قوة ونفوذ روسيا والصين، وهما دولتان قويتان اقتصاديًا يتنامى نفوذهما على أصعدة مختلفة، بالشكل الذي يحرم الولايات المتحدة من الاستفراد بزعامة العالم، ويحيله إلى عالم متعدد الأقطاب، يمكّن الدول الأقل قوة من المناورة، والاستفادة من التضادات في المعسكرات.. ليس هذا الصنف من الخصومة (خصومة الكبار) ما نعنيه هنا، بل نعني معارضة من الدول التي لا تزال ضمن العالم الثالث (وهو أغلب العالم بالمناسبة).. معارضة من تلك الدول التي لا تملك فائض سكاني كما الصين ( نحو 1,4 مليار) أو فائض جغرافي كما روسيا (+ 17 مليون كم2)، معارضة من الدول الضعيفة وزنًا على المقاييس المادية، والتي لا تزال قادرة على التذكير بأزمنة المد الثوري التحرري في العالم الثالث بالخمسينات والستينات، زمن التحالفات الثورية، وتكتلات الضعفاء (حركة عدم الانحياز).. والتي كانت تتضامن ضد قوى النهب الدولية، وتسعى من خلال تحالفها إلى تعزيز مكانتها ومن ثم ردع المعتدي، وإجباره على الاستكفاء بما بين يديه.

ولا نريد في الكلام منح شهادات إبراء ذمة لتلك الزعامات التي تضع بلادها في موقع الخصومة والعداء مع منظومة النهب الغربية، لكننا نريد قطعًا منحهم ما يستحقونه من إشادة لقدرتهم على تحدي عصابة من النوع العالمي، واسع القوة ومتعدد الأساليب، ذلك النوع الذي يفرض على غيره التخلّف ليبقى “الغير” بالنسبة له سوق لا أكثر، ثم يمد يديه إلى موارده (مادية وبشرية) ليوظفها إلى ما فيه مصلحته وبالشكل الذي يرفع من حجم مكتنزاته، وأن نذكّر بأنه لا يمكن للعالم أن تمر عليه مرحلة يخلو فيها من بؤرة هنا أو هناك للمقاومة، وأن نقد التجارب التي تصدت لـ”العصابة” يجب أن يكون محكومًا بالقاعدة الأهم، وهي تحسين القدرة على التصدي، وليس نفي عملية المقاومة نفسها، بشيطنة رموزها.

إيفو موراليس.. “الهندي الأحمر”، وعدو الرأسمالية اللدود.. رئيس بوليفيا:

إيفو مورالس ولد في أكتوبر 1959، وهو أول رئيس في تاريخ أمريكا الجنوبية من السكان الأصليين “الهنود الحمر”، والذي يعود بجذوره إلى حضارة الإنكا (1100 ق.م. حتى القرن الـ 16 ميلادي).

ينتمي موراليس إلى “الحركة الاشتراكية” التي قام بتأسيسها، وإلى عائلة من المزارعين البسطاء، ويعتبر من ألد خصوم سياسات الولايات المتحدة المعاصرين.

يقود موراليس البلاد منذ 2006، وفي أكتوبر عام 2014 فاز بولاية رئاسية ثالثة من خمس سنوات، بأغلبية ساحقة، وبمجرد فوزه انبرت الأقلام الأمريكية، لشيطنة الرجل، بينما كانت الملايين داخل “بوليفيا” تحتفل بفوزه، وتحييه لمواقفه المشرفة ف يالنضال ضد الهمينة والاتوسع الأمريكي.

المنشأ:

ولد خوان إيفو موراليس أيما في 26 أكتوبر 1959 لأسرة تعمل بالزراعة بإقليم أورورو بالجنوب الغربي لبوليفيا.

التحق موراليس منذ سن السادسة بوالده للعمل الزراعي حيث رافق والده إلى شمال الأرجنتين للعمل في حقول قصب السكر، وإلى إقليم كوشابامبا لبيع قطيع اللاما، وهذا ما سيترك تأثيرًا في شخصية موراليس، وسيجعله أكثر انحيازًا للطبقة العاملة، وأكثر دراية وإحساسًا بمشكلاتهم.

ورغم عمله في سن مبكرة تمكن موراليس من الالتحاق بالمدرسة في مراحل التعليم الأولى، قبل الالتحاق بأورورو لمواصلة دراسته حيث عمل بالتزامن مع الدراسة (بناء وخبازا وعازفا على آلة البوق).

كما لعب كرة القدم ضمن فريق باندا ريال إمبريال.

الوظائف والسياسة:

بعد إنهائه السنة الخامسة من التعليم الثانوي التحق موراليس بالجيش حيث كان التجنيد إجباريا, وقد عايش انقلابين بالعاصمة لاباز أثناء فترة أدائه الخدمة الوطنية عام 1978.

وإثر انتهاء خدمته العسكرية عاد إيفو ليعمل مزارعا بأرضه, لكن سرعان ما عصفت ظاهرة النينيو والرياح الثلجية بالمحاصيل الزراعية وقطعان الماشية ما أجبر آلاف السكان على الهجرة ومنهم عائلة موراليس التي توجهت إلى الشرق نحو منطقة صغيرة تدعى سان فرانسيسكو بمقاطعة كوشابامبا حيث واصل إيفو العمل بالزراعة.

انتخب مورالس في ثمانينيات القرن الماضي رئيسا لنقابات مزارعي الكوكا في فترة اتسمت بالمواجهات بين مزارعي الكوكا والحكومة البوليفية في إطار حربها المخدرات ما عرض موراليس للاعتقال والسجن.

عرف إيفو موراليس بقرابته الإيديولوجية مع فيدال كاسترو والزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، وهذا ما دفعه في 2002 إلى تأسيس حزب جديد يدعى “الحركة الاشتراكية”.

في انتخابات 2002 الرئاسية حقق إيفو مورالس نتيجة مفاجئة بحصوله على 20.9% من أصوات الناخبين بفارق 1.9% فقط عن الفائز سانشيز دو لوزادا فيما فاز حزبه الحركة الاشتراكية بـ27 مقعدا في البرلمان لتصبح ثاني قوة سياسية في البلاد. كما أنتخب موراليس نائبا بـ81.3% من أصوات الناخبين.

وفي 18 ديسمبر 2005 انتخب إيفو مورالس رئيسا لبوليفيا إثر حصوله على 53.7% من أصوات الناخبين بعد أشهر من الاضطرابات شهدتها البلاد بسبب قانون المحروقات المثير للجدل.

وفي 2008 وافق البوليفيون في استفتاء شعبي على تعزيز سلطات مورالس والمضي في الإصلاحات الاشتراكية التي انتهجها وجعلته في مواجهة مع الأقاليم الغنية الرافضة نهجه اليساري. يصنف إيفو موراليس يساريا يؤمن بالفكر الاشتراكي.

الرئاسة:

انتخب إيفو موراليس لثلاث مرات، أولها في 2005/ 2006، وآخرها عندما فاز بولاية ثالثة بنحو 61 في المائة من الأصوات في أكتوبر 2014.

وأهدى الزعيم اليساري انتصاره إلى الذين “يكافحون الإمبريالية”.

موراليس والقضية الفلسطينية:

قام إيفو موراليس بالاحتجاج على إسرائيل لأنها تمارس القتل والعنف بحق الفلسطينيين العرب أصحاب الأرض، خاصة في قطاع غزة.

وفي 14 يناير 2009 قام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل نتيجة الحرب على غزة، و في 31 يوليو 2014 أعلن موراليس أن إسرائيل كيان إرهابي و ألغى السماح بدخول الإسرائليين دون تأشيرة سفر.

وطالب موراليس بسحب جائزة نوبل من رئيس الكيان شيمون بيريز (قبل موته) بسبب تقاعسه عن وقف الضربات الاسرائيلية على قطاع غزة.

ووصف موراليس مجلس الأمن بأنه “مجلس اللاأمن” بسبب تعامله اللين مع الأزمة الفلسطينية.

الإيديولوجيا:

يعتبر موراليس أن “الرأسمالية” أسوأ عدو للإنسانية، ويراها هي المسؤولة عن نهب ثروات الشعوب، وتنمية الحس الأناني التملكي عند الناس.

كما يتهم موراليس الدول الرأسمالية وفي مقدمتها أمريكا، وربيبتها “إسرائيل”، بأنها المسؤولة عن نشر الأفكار النبيوليبرالية في العالم، وهي أفكار تحشد اقتصاد البلاد ومواردها في خدمة شريحة ضيقة من رجال الأعمال، وتترك الأغلبية الشعبية بدون أدنى خدمات في مجال الصحة أو التعليم أو العلاج أو الغذاء، وتحت لافتة عريضة هي “ضرورة انسحاب الدولة”، تتراجع السلطة المحلية المنتخبة عن دروها في إدارة العملية الاقتصادية وتترك المسألة برمتها لمجموعة من الأنانيين لقيادة اقتصاد البلاد بالشكل الذي يحقق مصلحتهم هم بغض النظر عن المجموع.

كذلك يحمّل موراليس الرأسمالية “الأوروأمريكية” مسؤولية تصنيع “ثورات ملونة” في عدد من الدول التي لا تطيعها بالقدر المناسب، أو في الدول التي لها مصلحة في إزاحة حكومتها، حتى لو كانت حليفة أو عميلة لها، ويتهم الرأسمالية بتمويل الحركات الانفصالية وجماعات العنف.

الانتماء العرقي:

ينتمي موراليس لسكان أمريكا الصليين، الذين أطلق عليهم البحارة الوافدون من أوروبا: “الهنود الحمر”، جهلا بخريطة العالم، وظنًا منهم أنهم نجحوا في الوصول إلى شرقي الكرة الأرضية حيث الهند والصين، من طريق مختلف، بعيدًا عن الأرض العربية التي كان يحلم كريستوفر كولومبوس، بإيجاد مسار للهند لا يمر بها.

نسبة الفقر الشديد تتراجع في بوليفيا من 38 إلى 21 بالمئة:

منذ وصوله إلى الحكم، قام موراليس بتأميم عدد من الشركات الأجنبية التي كانت تعمل في مجال النفط والطاقة والمناجم. كما عزز القدرة الشرائية للمواطنين بفضل سياسة التأميم هذه، ورفع أسعار المواد الأولية التي تصدرها بوليفيا إلى الخارج، ما جعل نسبة الفقر الشديد تتراجع من 38 إلى 21 بالمئة في 2012.

من جهة أخرى، قدم موراليس مساعدات مالية كثيرة لكبار السن وشيّد مدارس ومرافق صحية واجتماعية للفقراء، ما جعله يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط المتواضعة.

تعنّت أوروبي في مواجهة موراليس:

في يوليو 2013 رفضت عدة دول أوروبية، من بينها فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا أن تحلق طائرة موراليس فوق أجوائها بحجة أن إدوار سنودن (عميل أمريكي متقاعد لدى وكالة المخابرات المركزية، سرّب معلومات خاصة بالسي أي إيه منها تفاصيل برنامج التجسس بريسم إلى الصحافة) كان في داخلها.

وفي النهاية، قبلت النمسا أن تهبط طائرة موراليس على أراضيها، لكنه بقي محتجزا في المطار لمدة 13 ساعة.

وبعد عودته إلى بلاده، استقبل موراليس استقبال الأبطال حيث توافد الآلاف إلى مطار “لاباز”، فيما قام باستدعاء سفراء الدول التي لم تسمح لطائرته بالهبوط على أراضيها.

وفي 2013، نشر رئيس بوليفيا مقالا في دورية “لوموند دبلوماتيك” تحت عنوان “أنا الرئيس المحتجز في أوروبا” انتقد فيه عملية احتجازه واصفا إياها “بإرهاب دولة”.

طرد السفير الأمريكي:

في سبتمبر 2008، وقبل أن يقطع علاقاته مع “إسرائيل” في خطوة ثنائية شاركه فيها الراحل هوجو تشافيز، قام موراليس بطرد السفير الأمريكي، متهمًا إياه بالاتصال بمعارضيه، وتزويدهم بالدعم اللازم، لتنشيط الحركات الاحتجاجية.

ومن المعلوم أن موراليس منتخب شعبيًا، في عملية انتخابية نزيهة، ويحظى بمساندة شعبية ملحوظة حتى اليوم.

العلاقة مع الولايات المتحدة:

يقول موراليس: “لدينا خلافات كبيرة مع السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية، ونحن لسنا صامتين.. إن حالتنا تحسنت بفضل وحدة الشعب البوليفي ولأننا تخلصنا من السفارة الأمريكية سياسيا، ومن صندوق النقد الدولي اقتصاديا.. نحن معادون للإمبريالية وندعم الدول المناهضة للإمبريالية بكل ما لدينا من قوة”.

يعتبر موراليس خصمًا شرسًا للولايات المتحدة وسياستها التوسعية، وهذا ما حفزه لنسج علاقات أقوى مع إيران وروسيا، وعبّر في أكثر من مناسبة عن دعمه للروس في حال تعرضوا لعدوان من جيرانهم الأوروبيين بتحريض من البيت الأبيض.

ومؤخرًا هاجم موراليس الملياردير دونالد ترامب، الرئيس الجديد لأمريكا، بسبب تصريحاته ضد اللاجئين، وتعنيفه للمكسيكيين، وإعلانه عن نيته بناء جدار بين بلاده والمكسيك، حيث اعتبر موراليس هذا الحديث عنصري تمامًا، وخالي من الإنسانية، ويعكس غرور وتكبر عقلي، وقال أن جميع البشر لاجئين، في إشارة إلى أن الوافدين البيض على أمريكا، هم بمثابة لاجئون أصلا قدموا من أوروبا.

كما مارس نقدًا شرسًا لترامب، بعد أن اتهم الأخير الراحل فيدل كاسترو بالديكتاتورية، وقال أن العالم كله يدرك قيمة كاسترو، لكن الولايات المتحدة ومن يدورون في فلكها، يحتفلون بموته، لأنه كان خصمًا شرسًا لهم، واستطاع تحرير بلاده من سلطانهم وسلطان شركاتهم التي تمص دماء الشعوب.

ومن أجمل ما يمكن التقاطه من خطابات موراليس، هو نعت خصومه الأشرار بـ”إسرائيل”، ذلك دلالة على وعيه بحجم الخطر العالمي والإقليمي الذي يمثله العدو الصهيوني، وعن دور “إسرائيل” السلبي جدًا في المنطقة العربية، وأنها عبارة عن عصابة مدعومة من دوائر غربية استولت على أرض بشر آخرين، وتطمح في التوسع، وتلعب دورًا وظيفيًا في خدمة شمال الأطلسي، في تعطيل أي خطة تنمية بالمنطقة، فحين أراد موراليس إهانة “تشيلي”، وهي الدولة التي تلقى دعمًا أمريكيًا وغربيًا قويًا رغم سجل حقوق الإنسان السيء في البلاد وقد حصل رئيسها مؤخرًأ على “نوبل”، وتربطها علاقات قوية تجارية وعسكرية مع العدو الصهيوني منها تصدير كاميرات مراقبة، وصفها بـ”إسرائيل اللاتينية” على خلفية ما اعتبره طموحات توسعية ورفضها حل مشكلة إعادة الأراضي المحتلة سلميا ومنح بوليفيا منفذا بحريا.

وكانت تشيلي احتلت صحراء “أتاكاما” البوليفية الغنية بالملح الصخري والنحاس وحرمت الأخيرة من منفذ بحري خلال حرب المحيط الهادئ الثانية (1879-1883).

محاولة اغتيال:

في 2013، فتحت بوليفيا تحقيقًا اتهمت فيه الولايات المتحدة بمحاولة اغتيال إيفو موراليس، ونفت حينها السفارة الأمريكية هذا الكلام، ووصفته بالعبثي.

لكن المتحدث باسم الرئاسة البوليفية قد أكد الأمر، وأوضح أن التحقيقات ستستمر تحديد الحقيقة حول مؤامرة أمريكية، وذلك وفقا لتسريبها من قبل موقع ويكليكس.

وأضاف: خطة اغتيال موراليس الأمريكية هى خطة بديلة للخطة فى 2007، وذلك لتثبيت عملية الانقلاب المدنى، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها استيراتيجيات خنق اقتصادى ضد الدول التقدمية بما فى ذلك التحالف البوليفارى للقارة الأمريكية، من بينها إيفو موراليس الذى يواجه معارضة قوية.

الصورة الأهم لموراليس في رحلته السياسية:

على طريق السيد المسيح الذي جلس ليغسل أقدام تلامذته في العشاء الأخير، ليقدّم مثالا للتواضع وتبيان أهمية خدمة الآخرين والمساواة بين جميع الناس، جلس إيفو موراليس ونائب الرئيس البوليفي ألفارو غارسيا لينيرا يلمعان أحذية الأطفال في الشارع، ليخفّض من المظاهر السلطوية العنيفة التي تقترن عادة بمنصب الرئاسة، ويبين أن الرئيس هو في الحقيقة مجرد موظف مكلّف بقيادة البلاد، لا ممارسة طقوس سلطوية استكبارية عليهم، وليضرب مثلا في أهمية خدمة الآخرين، والتكاتف والتعاون، والبذل والعطاء.

وقد أثمر فعل موراليس، آثار إيجابية على أصعدة مختلفة داخل بوليفيا، حيث حفّز الشباب والشابات على التطوع وخدمة المجتمع، وعلى عدم التعالي عن تقديم المساعدة للآخرين أيًا ما كانت، كما ساهمت هذه التجربة في رفع شعبية موراليس بين طبقات الشعب الفقيرة ومحدودة الدخل.

موراليس وتشافيزوكاسترو:

جمع الثلاثة زعماء، الذين رحل اثنان منهم (شافيز في مارس 2013، وفيدل كاسترو نوفمبر 2016 بعد صراع طويل مع المرض)، الكثير بداية من رغبتهم في تأسيس شكل من أشكال الوحدة والتضامن في أمريكا الجنوبية والوسطى، شكل ما يسمح لهم بالتكتل لمواجهة طموحات الولايات المتحدة التوسعية في بلادهم، ومساعيها التي لا تنقطع لفرض الحصار عليهم، واستخدام أسلحة الإفقار والإمراض والخنق لتأليب شعوبهم عليهم.

بين الثلاثة يكون موراليس هو الأصغر سنًا، حين هو مواليد عام 1959، بينما العظيم الراحل هوجو تشافيز من مواليد 1954، أما كاسترو ففي زمن ولادة هؤلاء كان شابًا مكتمل النضج يُعد لثورته ويخوض جولات المعارضة ضد العميل “باتيستا”، ولا جدال في أن موراليس قد استلهم تجارب جيرانه قبل وصوله لكرسي الرئاسة في 2006، بل أن تأسيس حزبه “الحركة الاشتراكية” في 2002، لا يخلو من تأثر بهما، كان “شافيز” حاضرًا في الصورة تمامًا عندما انتخب موراليس للمرة الأولى رئيسًا لبلاده، حيث وصفته الصحف العالمية بـ”شافيز جديد جاء ليحارب أمريكا”.

وقت وصول موراليس للحكم، كان شافيز قد قضى ما بين ست إلى سبع سنوات، رئيسًا لفنزويلا، عرف خلالهما بتبنيه خيارات اقتصادية تنحاز للأغلبية الشعبية المطحونة، والانحياز إلى لغة تنتقد بحدة أنصار العولمة من الليبراليين الحديثين والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان من أبرز المنادين بضرورة تكامل أمريكا اللاتينية السياسي والاقتصادي.

الخيار البوليفاري:

من بين ثنايا هذه الحالة، ولد “الخيار البوليفاري”، وهو بمثابة تحالف على مستويات تجارية واقتصادية عدة،

قرره الرؤساء هوغو تشافيز باسم جمهورية فنزويلا البوليفارية، وايفو موراليس باسم جمهورية بوليفيا، وفيدال كاسترو باسم جمهورية كوبا، في العاصمة الكوبية “هافانا” في أبريل 2006.

شمل الاتفاق العديد من البنود، التي تحث على التضامن والتكامل بين الثلاث دول (حدة وتكامل شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي)، حيث على سبيل المثال، ستقدم كوبا خدمات طبية بالمجان، خاصة في مجال العيون المتقدمة فيه، للفنزويليين والبوليفيين، كذلك آلاف المنح الدراسية والإعفاءات الضريية للشركات البوليفية والمختلطة، بالإضافة إلى ما سبق ستنقل كوبا خبراتها إلى بوليفيا بشأن توفير الطاقة؛ وستقدم فنزويلا لبوليفيا 5 ألاف منحة دراسية لمتابعة التحصيل العلمي في اختصاصات مختلفة ذات أهمية بالنسبة للتطور المنتج والاجتماعي لجمهورية بوليفيا، كذلك ستتبرع فنزويلا بـ 30 مليون دولار لتغطية الاحتياجات ذات الطابع الاجتماعي والإنتاجي للشعب البوليفي حسب ما تقرر حكومته، وستساهم في ترميم وبناء الطرقات، متبرعة بالأسفلت ومحطة لخلط الأسفلت، من جانبها، ستساهم بوليفيا في تصدير منتجاتها المعدنية والزراعية والزراعية الصناعية والمواشي والدواجن والصناعات التي تحتاجها كوبا وفنزويلا، وستعمل على تأمين الطاقة لكوبا وفنزويلا عن طريق إنتاجها الإضافي المتوفر الخاص بالهيدروكربونات، هذا بالإضافة للإعفاءات الضريبية.

موراليس يرجح احتمالية اغتيال شافيز:

عند وفاة هوجو تشافيز في مارس 2013، وبينما كانت الملايين تودّع الراحل، ذاكرة له سجله المشرّف في الانحياز للفقراء ونصرة المستضعفين ومجابهة قوى الهمينة العاليمة، قال إيفو موراليس، أنه يعتقد في أن وفاة هوجو تشافيز ليست طبيعية وأن قوى الإمبريالية العالمية، لم تنس ثأرها مع الرجل، وأنها قد سممته، بالضبط كما جرى مع العديد من الزعماء العالميين الذين واجهوا قوى الهيمنة الخارجية.

وأشار إلى أن السلطات الفنزويلية، وخلفية شافيز، نيكولاس مادورو، لن يفوّتوا الأمر دون تحقيق.

عن بوليفيا.. التي يقودها موراليس:

هي دولة، نظامها جمهوري رئاسي، في أمريكا الجنوبية وتعتبر خامس أكبر دولة مساحةً بعد البرازيل، والأرجنتين، وبيرو، وكولومبيا.

تتخطى مساحتها حاجز المليون كيلو متر مربع، بقليل، وهي بهذا قريبة من مساحة مصر.

بلغ عدد سكانها في 2013 نحو 10,5 مليون نسمة، وعاصمتها هي لاباز.

بوليفيا دولة داخلية، توجد ضمن النطاق الغربي من أمريكا الجنوبية، تحدها البرازيل من الشمال والشرق، وبيرو وتشيلي من الغرب، وباراغواي والأرجنتين من الجنوب، واشتراكها في الحدود مع العديد من دول القارة كان مدعاة للأطماعهم فاقتطعت منها مساحة كبيرة.

شهدت البلاد حضارات قديمة، من قبل الميلاد، ففي مدينة تيواناكو موقعا حضاريا كبيرا فوق جبال الأنديز، تم تشييده سنة 200 ق.م.

كانت بوليفيا قسماً من إمبراطورية الهنود الأمريكيين “الانكا” قبل استيلاء الإسبان عليها في سنة القرن السادس عشر الميلادي.

حضارة الإنكا.. (1100 ق.م. حتى القرن الـ 16 ميلادي)، هي حضارة السكان الأصليين، والتي تواجدت كإمبراطورية قوية في غربي أمريكا الجنوبية قبل الغزو الأسباني الذي مر إلى البلاد عبر سيل من المؤامرات استغل وعزز حالة الانقسام والاحتراب الداخلي، وكان الإنكيون يمارسون سياسة اقتصادية تميل إلى العدالة الاجتماعية، وعرفوا استخدام المعادن، وبناء الجسور، وأجادوا الزراعة، وأتقنوا الإنكيون نسج القطن الناعم بمهارة حتى أن الأسبان عندما غزوهم اعتقدوا بأن نسيجهم مصنوع من الحرير، غلى جانب بناء المعابد.

وظلت بوليفيا خاضعة للاستعمار الإسباني حتى سنة 1825م، حيث استقلت بعد ثورة دامية.

بقيت الأقلية البيضاء تتحكم بمقدرات البلاد زمنا طويلا دون أن ينازعها أحد على السلطة. ولكن تغييرات أساسية حدثت في نهاية العشرينات من القرن العشرين حين استطاعت العناصر الاشتراكية، وبعض العسكريين التقدميين، في تغيير أساسات اللعبة، نسبيًا، بإيصال الكولونيل جرمان بوش في 1937 والقائد غوالبرتو فيلارول (1943-1946) إلى رئاسة الجمهورية ودفعهما للقيام ببعض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية.

لكن تدخل الزمرة العسكرية، والولايات المتحدة، في البلاد قد أربكوها لفترات طويلة، ففي الستينات استغل نائب رئيس الجمهورية الجنرال “رينيه أورتونو” فترة الاضطرابات، فاستولى على السلطة بانقلاب عسكري قام به في نوفمبر 1964، ورغم مساندة القوات المسلحة والكونغرس له فقد لقي معارضة شديدة من قبل عمال مناجم القصدير الذين اتهموا الحكم بالضغط على نقابات العمال. فقامت ثورة عام 1967 التي قادها الثائر الأرجنتيني إرنستو تشي جيفارا. إلا أن القوات الحكومية المدعومة من المخابرات وعناصر قتالية أمريكية، غدرت بتشي جيفارا، وألقت القبض عليه وقتلته.

يرجع اسم بوليفيا إلى الجنرال سيمون بوليفار الذي سعى من أجل تحرير أراضي أمريكا الجنوبية من سيطرة الاستعمار الإسباني، فتم إطلاق اسم بوليفيا على هذا الجزء نسبة إلى الجنرال بوليفار•

سٌميت بوليفيا بهذا الاسم نسبةً إلى سيمون بوليفار المناضل الكولومبيى والثائر اللاتيني الذي ناضل من اجل تحرير أمريكا اللاتينية من الاستعمار.

عن harka

شاهد أيضاً

معركة فيروس كورونا

الكاتب والمحلل السياسي والاقتصادي: محمد أحمد البشير. يوم السابع من نيسان من عام ١٩٤٧ تأسس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();