الرئيسية / آراء ومقالات / أدب وفكر / فلسفة / الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري Michel Onfray أو عندما يتحدى “إبن عاملة التنظيف” الفكر الغربي

الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري Michel Onfray أو عندما يتحدى “إبن عاملة التنظيف” الفكر الغربي

الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري Michel Onfray

أو عندما يتحدى “إبن عاملة التنظيف” الفكر الغربي

 

شوقي عبد الأمير

 

ولد ميشيل آونفري M.Onfray عام 1959 في عائلة فلاحية فقيرة يعمل أبوه في الحقل وأمه “عاملة تنظيف”.

عاش طفولة قاسية حيث كانت العائلة ترقد كلها في غرفة واحدة مما إضطر والداه أن يرسلانه الى دار رعاية إجتماعية لعدم تمكنهم من تحمل نفقات معيشته..

لكن ميشيل الطفل إستطاع أن يجتاز هذه المعّوقات المادية والاجتماعية ويتقدم بالدراسة والبحث فقد حصل على الدكتوراه في الفلسفة واستمر في بحثه الفكري والفلسفي العميق حيث إطلع على النتاج الفلسفي العالمي بشكل لم يسبق له نظير ترفُدهُ ذاكرة غنية وكبيرة بحيث يحفظ عن ظهر قلب الكثير من المراجع الفلسفيّة وكانه مكتبة متنقلة وهو ما اعطاه القدرة على الإقناع وعلى التصدي لكل معارضية من المفكرين…

وميشيل إونفري بدون يكتب توقف ، كتابُ في كل عام وأحياناً أكثر من كتاب بحيث تملأ مؤلفاته اليوم رفوف المكتبات وتحتل واجهات الصحف والمجلات المختصة وكذلك شاشات التلفزيون واليوتيوب والفيسبوك وقد ساعده في ذلك سرعة بديهته وطرافة حضوره..

لا يرتدي الا القميص الاسود ولا يضع ربطة عنق ويترك شعره منثوراً لا يضع فيه مشط ويبدو مبتسماً وهو يطلق تصريحات الفكر تزلزل الفكر الغربي بكامله..

بدأ بالتركيز على الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه وهو المعروف بصرامته وتحديه للمسيحّية وسخريته منها وكذلك إيمانه لـ “الانسان الاعلى” أو المتعالي…

وكتب عن نيتشه الكثير وهو يستشهد به دائماً الاّ آن هذا الاخير شكّل بالأحرى

إمتداداً لسلسلة من الفلاسفة الذي اعتمد عليهم أهمهم اليوناني أبيقور (341ـ 270 ق.م) ولوكريتيوس (1980ـ 55 ق.م) ومن ثم القس إبرازموس (1466ـ 1536 م) ومونتاني (1533ـ 1592 م).

إن المتأمل لهذا الامتداد الفلسفي لميشيل أونفيري يكشتف بسهولة العلاقة مع مفهوم “المتعوية” اي ما يعرف بـ”Hedonisme” وهو يتحدث عن لوكريتيوس دائماً وكانه الاب الروحي له ومعروف موقف لوكريتيوس من الكنيسة

واذا نظرنا الى كل هولاء وموقفهم من المسيحّية وبالاخص نيتشه وسخريته اللاذعة إنتهاءً بموقف ميشيل أونفري الأخير من السيد المسيح (ع) في كتابه الاخير “تدهور” Decadance والذي إعتبر فيه آن يسوع المسيح كما تقدّمه الكنيسة ليس حقيقةً تاريخية إنما هو “صَنيعةَ ” الامبراطوريىة الرومانية منذ ان دخل الامبراطور الروماني اوغسطين في مطلع القرن الميلادي الأول (30م) الى المسيحّية فإننا نفهم أن هذه النظره الفلسّفية التي تبلورت أخيراً لدى أونفري إنما تمثل إمتداداً

تاريخياً وفكرياً عميقاً في الماضي الفكري الانساني.

هذا من ناحية لكن ميشيل أونفري لا يكتفي بمواجة الكنيسة أنما يذهب أبعد و أشمل فهو يتصدى لكل رموزالحضارة الغربية التي يعتبرها “آيلة للزوال” وهي الحضارة “اليهوـ مسيحية” كما يسّميها Judeo- chretien

وفي هذا الجانب تتلخص نظريته بأن كل حضارة تقوم بالبدء على الدين وعلى القوة وسفك الدماء ومن ثم عندما تسود تبدأ بالانتاج والنمو لكنها مثل كل كيان تولد وتكبر ثم تشيخ وتموت وهكذا فهو يرى أن الحضارة الغربية أدركت الشيخوخة وهي تحْتضر الآن.

يقدم ميشيل أونفري بعض الادلة من وجهة نظرة تشكل مؤشرات لنهاية الحضارة فهو يرى أن الغربّي (أبن الحضارة النموذجي) صارت حياته مرتبطة بالحاضر فقط فهو أبن اللحظة منسلخاً عن الماضي وهذا من وجهة نظره يشكل ” ضموراً ” في الحياة والفكر وليس كل تواصل مع الماضي هو” رجعّية ” وهو بالتالي ” سلفيّة ” كما يمكن أن يفهمها البعض وبالفعل جرى إتهام أونفري بالسلفيّة لكنه أصر على رآيه وهو أن “عبادة الحاضر” هي فقر وإنكفاء وضمور…

وهو يرى أيضا من مشاهد “إنحطاط الغرب ” أن الغربيين صاروا أسرى “الصحّة الجسديّة” وأن نظرتهم الى صحتّهم أخذت شكلاً  “متورماً ” مبالغاً فيه بحيث أصبح الغربي أسيراً لمظاهر صحتّه بشكل متطرف الامر الذي جعله يعيش مؤطراًومحكوماً بممارسات وسلوكيات مرتبطة بالتعامل مع الصحة وشراء الادوية حتى صارت “هَوَساً ” يومّياً ومن هنا نجد كتبه تدور حول هذه المفاهيم التي يحاول من خلالها إثبات نهاية الحضارة الغربية مثل “نقد العقل الغذائي ” .. وكانه بهذا يجاري كانط Kant  في كتابه الشهير ” نقد العقل المحض ”

أكثر من هذا يذكر أونفري شاهداً هاماً على نهاية الحضارة الغربية أنه لا يوجد غربي واحد مستعد للموت من أجل قضية اليوم، ولا حتى من أجل حضارته .!

كل الشعوب الغربيّة تعبد حياتها ولذائذها بشكل مسرف وغير مستعدة للتضحية وهذا مؤشر مهم بالنسبة له وهو هنا يقيم مقاربةً مع الآلاف من أبناء الديانات الاخرى كالاسلام والبوذية وسواها المستعدّين للموت من اجل ايمانهم ، بغض النظر أن كانوا على حق أم لا لكنهم المستعدون للتضحية وهذا الامر غير متوفر اليوم في الحضارة الغربية اليهوـ مسيحّية..

يواصل أونفري مرافعاته ضد الغرب فهو لم يكتفِ بدحض المفاهيم العامة للفكر الغربي إنما تصدّى لرموزه مثل فرويد وكتب كتابه الشهير ” أفول صنم ” الذي هاجم فيه وفنّد نظرية فرويد والتحليل النفسي ودعا الى تحليل نفسي خارج فرويد وهي ثورة مضادة في علم التحليل النفسي الغربي ولم يستطع كل علماء التحليل النفسي من دحض نظريته هذه …

يخلص من كل هذا الى أن الحضارة الغربيّة أصبحت ” بيت متقاعدين” وهو يقول مع نيتشه أننا أمام مشهد كهذا يجب أن نكون ” تراجيديين ” أي أن نعيش الحياة الواقع خارجاً عن التأويلات والاقنعة والمضادات وان نعضّ بأسناننا على الحقيقة العارية ..

وهو يدعو للخروج من ما يسميّه ” الأنيّة الصرفة ” Estompire أي فك أسر هذه الشعوب من زنازين الحاضر والنظر الى الحياة بشموليّة زمنيّة ـ ومكانيةّ.

ما زال ميشيل أونفري يواصل جامعته الفلسفيّة ومحاولته انزال الفلسفة الى الناس وكتاباته التي لا تتوقف وحضوره الدائم على الشاشات متصدياً لكل الانتقادات لا يكل ولا يمل في تحدّي المجتمع الغربي وحضارته ” العجوز ” التي تموت الأن..

ميشيل الصغير أبن ” عاملة المنزل ” والفلاح صار معولاً جباراً في الانتقام من الحضارة التي سلبته طفولته واستغلت طبقته المسحوقة .

 

شرح الصور

1 – كتاب تدهور : من عيسى إلى بن لادن “حياة وموت الغرب”

2 – جمجمة الحضارة الغربية

 

عن harka

شاهد أيضاً

ما هي الإمبريالية

بعد الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته روسيا لسوريا خلال العشرية التكفيرية العثمانية التي عاشتها سوريا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();