الرئيسية / آراء ومقالات / الصين وفيروس كورونا.. والانتهاز الأمريكي للفرصة

الصين وفيروس كورونا.. والانتهاز الأمريكي للفرصة

السيد شبل/ باحث وكاتب صحفي من مصر.

تواجه الصين منذ نهاية عام 2019 وتحديدًا مدينة ووهان وباء الكورونا، وهو الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي وتبدأ أعرضه بالسعال وقد (وليس بالضرورة) يسبب الوفاة، ويعود اسمه إلى الكلمة اللاتينية التي تعني التاج، لأن شكل الفيروس تحت الميكرسكوب يظهر بتلك الصورة. ورغم شيوع الحديث عن الفيروس في الوطن العربي، إلا أنه يفوت كثيرون أن نسخة ما تنتمي إلى نفس العائلة حملت اسم “فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية ” كانت قد ظهرت العديد من البلدان ولا سيما في شبه الجزيرة العربية منذ عام 2012 وحتى 2015، وقد تسبب إلى وفاة نحو 480 مصاب في السعودية وحدها، وخلص العلماء وقتها إلى أن مصدر الفيروس قد يكون الخفاش أو الإبل وحيدة السنام.

يجتهد العلماء والأطباء الصينيون حاليًا وبشكل باهر لحصار الفيروس، وإنتاج أدوية لعلاجه، كما تقوم الدولة بإدارة الأزمة للحد من انتشار المرض، والسيطرة على الأوضاع العامة لكي لا يتحول الأمر إلى فوضى عارمة، أو انهيار شامل للحياة اليومية على كافة المستويات.. لكن تلك المجهودات لا يتم التعامل معها بالتقدير اللازم من جانب العديد من البلدان حول العالم، وعوضَا عن السعي إلى تقديم المعونة الطبية والمساندة السياسية والإعلامية للصين، تقوم الولايات المتحدة بالأساس بانتهاز الفرصة تلو الآخرى للإساءة إلى هذا البلد الآسيوي الكبير وشيطنته في وسائل الإعلام واغتيال سمعته، وهي لا تجد بأسًا حتى في استخدم الخطاب الديني في ذلك، ولا يقتصر الأمر على استقطاب بعض رجال الدين الكاثوليك والبروتستانت لمهاجمة الصين، وإشاعة تفاسير غيبيّة للمرض تروّج إلى أن ثمة لعنة قادمة من السماء هي السبب في “كورونا” عقابًا للصين على محاربتها لـ”الرجل المسيحي الأبيض”!!، بل أن واشنطن توسع من جهودها الدعائية فتقوم كذلك بإدارة ملف التحريض على الصين والذي يستخدم خطاب إسلامي مزيف، وتستخدم واشنطن في ذلك جماعة الإخوان المتصلة بأجهزة مخابراتها، بالضبط كما جرى الحال طوال عقود مضت ضد السوفيت، كما تجيد اللعب بالعاطفة الدينية من خلال صفحات موقع الفيس بوك، وقد اعتمدت في ذلك على التلفيقات الواسعة التي ارتبطت بقضية الإيغور، حين تم تصوير الصين وكأنها تشن حملة إبادة على أساس الدين أو العرق، بينما الأمر لم يكن أكثر من مواجهة تخوضها الدولة ضد جماعات وأفكار سلفية تكفيرية في شينجيانغ مرتبطة بتنظيمات انفصالية سابقة، وجميعها تستقبل دعمًا خارجيًا.

في شهر يناير/كانون ثاني من العام الجاري 2020، لم يجد وزير التجارة الأمريكية، وفي تصريحات لمحطة “فوكس نيوز”، حرجًا في أن يعلن صراحة “أن تفشي الفيروس الصيني أمر إيجابي للاقتصاد الولايات المتحدة لأنه قد يساعد على إعادة الاستثمارات وتسريع وتيرة عودة الوظائف والتصنيع إلى الولايات المتحدة”.

إذن فإن الولايات المتحدة تضع رهان كبير على هذا الفيروس، بل وتعقد آمال واسعة على أن انتشاره سيتسبب في هجرة الاستثمارات من الأراضي الصينية، كما قد يؤدي إلى حالة هلع عامة من الصينيين ومنتجاتهم، وهنا تكون الفرصة سانحة لتحجيم قوة الصين الاقتصادية الصاعدة، ناهيك عن أن مواجهة الفيروس من جانب الحكومة الصينية، قد يشغلها عن توسيع أدوارها السياسية والاقتصادية التي كانت تخطط لها سواء داخل البلاد وخارجها.

ولعل حالة الحبور والسعادة الملحوظة لدى عدد من الأنظمة الغربية جراء ما أصاب الصين، هو ما دفع، على سبيل المثال لا الحصر، المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إلى الإعلان عن أن المشاركين في مؤتمر ميونيخ الأمني الذي انعقد على مدار ثلاثة أيام في منتصف فبراير/شباط 2020، يميلون جديًا إلى معاداة الصين، وأنهم يعتبرون الصين تهديد للبشرية جمعاء!!، وأن هذا المسلك المفضوح في الخطابات التي ألقيت في المؤتمر، شكل عندها انطباع بأن ثمة عملية إعادة إحياء للاجواء الاستعمارية، وأن الغرب لم يعد يعتبر من العار تجسيد روح الاستعمار، وأنه يقوم حاليًا بتقسيم البلدان إلى نوع يمكن التعاطف معه ودعمه، ونوع آخر لا حاجة إلى إظهار التعاطف معها، ولا يمكن الدعم في اللحظات الصعبة، مشيرة إلى أن روسيا وحدها هي من تحدثت عن ضرورة مسندة الصين في أزمتها.

على أية حال فإن ما يجري حاليًا من استثمار أمريكي في فيروس كورونا، قد يسهم في ترجيح كفة ما يقال عن أنه نوع من الحرب البيولوجية التي تقف خلفها هيئات علمية أمريكية، وهو ما جاء بالفعل في تصريحات “فلاديمير جيرينوفسكي”، وهو رئيس الحزب الليبرالي الروسي (وهو حزب قومي من جهة الممارسة ومع تدخل الدولة في الاقتصاد)، وكان جيرينوفسكي قد قال أن الحديث المتعلق بكورونا يدور عن أزمة مصطنعة تقف وراءها الولايات المتحدة التي تتصرف بدوافع اقتصادية، إذ يخشى الأمريكيون من فشلهم في مسابقة الصينيين أو اللحاق بهم على الأقل.

على المستوى العربي كان لا يصح أبدًا ظهور حالة ما من الشماتة فيما أصاب الصين، أولًا، لأن فيروس كورونا في حال انتشاره فإنه لن يستثني أحد، ولن يتساءل عن جنسية أو ديانة الإنسان قبل أن يهاجمه، كما أن دعم الصين في معركتها العلمية والطبية مع الفيروس، هو دعم لطليعة مقاتلة تخوض المعركة نيابة عن البشرية كلها، أما ثانيًا، فإنه لمن السذاجة المفرطة الاصطفاف بتلك الصورة العبثية خلف المشروع الأمريكي الذي يريد أن يهيمن على العالم ويحاصر أي قوة صاعدة مثل الصين تبشر بعالم متعدد الأقطاب، ويستخدم الدين والأخبار المفبركة في ذلك، أما ثالثًا، فإنه يحسب للصين جديًا أن لها فضل كبير في تقديم الحداثة التكنولوجية بأرخص الأثمان، وأنه جعلت من متوسط الدخل ندًا للثري في المظهر والهاتف والسيارة، أما اربعًا، فإن الصين إن لم تكن مفيدة لقضايانا كعرب فإنها ليست مضرة، وهي مثلًا لم تتورط في غزو العراق عام 2003، ولم تدعم الولايات المتحدة وقتها، كما لم تصوّت لصالح قرار فرض الحظر الجوي على ليبيا في 2011، والذي تطور إلى غزو ونحطيم للبلد، كما قدمت الدعم للدولة السورية في معركتها مع الإرهاب المدعوم خارجيًا، واستخدمت حق النقض “الفيتو” لتعطيل عدد من القرارات التي كانت تستهدف تبرير العدوان على سورية، خامسًا، هناك المصالح الاقتصادية المشتركة بيننا كعرب نطمح للنهضة خارج العباءة الأمريكية، وبين الصين الطامحة للصعود الاقتصادي، وهذا كان يجب مراعاته والوعي له.

عن harka

شاهد أيضاً

بيان صادر عن حزب الحركة القومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();