الرئيسية / آراء ومقالات / نتنياهو يكشف أوراقه.. فهل نغضب ونحاذر؟

نتنياهو يكشف أوراقه.. فهل نغضب ونحاذر؟

السيد شبل/ مصر

لا بد أن نشعر بمزيج من الغضب والحذر حين نقرأ أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى في المظاهرات التي يشهدها العراق ولبنان وإيران “فرصة كبيرة”، وأنه اتفق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو على استغلال ما يحصل لتعزيز الضغط على إيران، متابعًا أن المظاهرات في حد ذاتها تمثل “أرضية خصبة” لإضعاف النظام (التصريحات نقلا عن القناة الـ”13″ العبرية بتاريخ 4 ديسمبر 2019).

إيران المستهدفة هنا، ليست هي إيران التي يحكمها نظام يمكن أن نختلف مع تفاصيل إدارته لملفاته الاقتصادية أو السياسية الداخلية (تحديدا الفريق “الإصلاحي” الذي ينتمي رئيس البلاد حسن روحاني إليه، وهو فريق يقترب من المفاهيم الليبرالية لإدارة الاقتصاد، ويدعو للانفتاح السياسي والاقتصادي على الغرب)، وليست هي البلد التي قد يعارض البعض الطبيعة الدينية لنظامها (في المجمل).. وإنما إيران المستهدفة هي الموقف المناطح لواشنطن، والمتحالفة مع روسيا والصين في مواجهة “الغول الأمريكي”، والداعمة لسورية في وجه المؤامرة التي تتعرض لها، والتي تقدم السلاح للجماعات المقاومة للعدو الصهيوني، والتي تتحلى إلى حدِ ما بجذرية ثورية تملك حسًا وفكرًا على المستويين الاجتماعي والقومي مما يجعلها قادرة على أن تمنع أي محاولة تخريبية يقوم بها “الإصلاحيون” من الاكتمال.. وإذا تخلّت إيران عن ذلك، فإن واشنطن ولندن و”تل أبيب” يمكن لهم أن يستسيغوا إيران بكل ما فيها، ولن يروا بأسًا في أن يحكمها رجال دين يرتدون العمائم أو أن تمارس شرطتها أي نوع من التضييق لأغراض سياسية أو حتى أن يحكمها أشخاصٌ غير منتخبين (ألا تلاحظ انسجام الغربيين عموما مع الملوك، والذين وصلوا للحكم بالوراثة، ويُعامل بعضهم معاملة أقرب للآلهة؟!). وعندما يرضى الغرب وذيله الصهيوني، فتأكد أن كل “البروبجندا” المنتشرة حول إيران ستتهمّش، بما فيها الخطاب الوهابي المعادي للمذاهب الأخرى وفي مقدمتها التشيّع، وهو الخطاب الذي لا يطفو على السطح إلا لمصالح مادية دنيوية معتادة.. وهذا ما يجب أن يكون واضحًا ومستقرًا لدى أي شخص يملك عينين وعقلًا.

تكمن خطورة كلام نتنياهو بالضبط في كونه صريح ومباشر وقاطع، وعادة ما ينصح المستشارون الكبار في حكومة الاحتلال بتوخي الحذر من تلك التصريحات (يمكنك مراجعة موقفهم المعارض لتصريح نتنياهو بدعم “المحتجين” في إيران شتاء 2018)، حيث يرى المستشارون أن مثل تلك التصريحات تضر بالجهة المدعومة، وأن على “تل أبيب” إدارة أمورها في الخفاء والتخطيط لإصابة خصومها بالضرر والكتمان حتى إتمام المهمة.. وعندما يعارض “نتنياهو” هذه النصائح من مستشاريه إلى حد الإعلان الصريح عن “استغلال المظاهرات لإضعاف إيران وحلفائها” فإن الرجل إما ينفذ استعراض سياسي لكسب بعض من التأييد الداخلي، أو أنه بالفعل يستند إلى جدار صلب (مُخطط مُحكم) لا يخشى عليه من الهدم حتى ولو كشف تفاصيله!!.

أما المؤذي أيضًا في كلام نتنياهو هو أن ثمة حالة من الاطمئنان لديه بأن الكلام سيمر بسهولة ولن يُثير انتباه (أو للدقة: غضب وحذر) الجمهور العربي، وهو الطرف المعني بشكل رئيسي، وعلى أسس قومية عربية واضحة، بالخصومة مع الكيان الصهيوني الذي تأسس على أرض عربية تم سلبها.. فالمفترض أن يكون تصريح من هذا النوع كافيًا لإثارة الكثير من الضجة التي تجعل الكل يعيد حساباته وقراءته لما يجري، وحتى إعادة تقييم الموقف من الاحتجاجات ذاتها، ليس لإنكار أحلام الناس -في العموم- بعيش أفضل، ولكن لإدانة السياق الذي تأتي فيه المظاهرات والرؤوس التي تدير وتوجه (ولا شيء عفوي، فهذا مضاد للواقع)، ولفضح المسلك الخاطيء الذي يجعل المحتجين يصوّبون نحو أهدافِ خاطئة، فتكون النتيجة مزيد من التردي في الأحوال المعاشية، أي نتيجة تعاكس الشعارات.. وما من شك أن هيمنة العائلات الحاكمة لممالك وإمارات الخليج على الإعلام العربي (عكس الحال حتى عقدين مضوا عندما كان لا يزال للجمهوريات العربية بصمة واضحة في الإعلام)، بالإضافة لشيوع الأفكار السياسية المبتورة التي عبرت على أكتاف “نشطاء المجتمع المدني”.. قد همّشت إلى حد بعيد النظر للحلف الصهيوأمريكي باعتباره عدو (ونقول “همّشت”، لكنها لم تنجح في القضاء على ما استقر في النفوس من عداء طبيعي تجاه محتل وناهب).
بالعودة إلى تصريحات ومساعي نتنياهو الأخيرة، نجد أن ثمة تصعيد في التحريض، متناغم مع “الفرصة” التي يحاول استغلالها، وبالتالي فقد وجه منذ أيام انتقادات لدول أوروبية على خلفية سعي بعض شركاتها، ولأغراض مالية مجردة، للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتوفير مسار للتجارة مع إيران.. السخيف هنا أن نتنياهو قد تمادى إلى حد تنصيب نفسه محامي عمّا أسماه “شعوب الشرق الأوسط التي تتصدى لإيران وجلاديها”!!، معتبرًا أن على الأوروبيين الملتفين على العقوبات أن يشعروا بالخجل !!.

ما يجري ليس بسيطًا.. والتعامل معه باستخفاف قد تكون عواقبه وخيمة، ونجاة سورية العربية من كثير مما كان مخططًا لها، بمساهمة جادة من محور عربي/إقليمي لعبت إيران فيه دور مركزي، ومحور أممي برز فيه الروس والصينيون واشتراكيو أمريكا اللاتينية وآسيا.. لن يمر بسهولة، أو دون مخططات إضافية لمنع هذه المحاور من التضافر والبروز وتثبيت النصر.. والصعود.

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();