الرئيسية / آراء ومقالات / من يمثل الشعب الفلسطيني اليوم؟

من يمثل الشعب الفلسطيني اليوم؟

سامح المحاريق/ كاتب صحفي.
مثل غيره من الشعوب العربية يعاني الشعب الفلسطيني من مشكلة تمثيله، بمعنى تقديم من يتحدثون باسمه ويستطيعون التعبير عن وجوده وحركته في التاريخ، وفي فسلطين تأخذ القضية بعداً على جانب من التعقيد، فالفلسطينيون أنفسهم أخذوا يتوزعون بين فئات مختلفة، الأولى، أبناء الضفة الغربية وغزة، أي من يشملهم التعريف الأخير الذي تحاول صفقة القرن إرساءه، والثانية، الفلسطينيون في المناطق التي أصبحت تعرف بإسرائيل، والثالثة، الفلسطينيون اللاجئون ومعهم فئة أخرى استطاعت أن تتخطى فكرة اللجوء وتتحول إلى مكونات أو جاليات في مجتمعات أخرى فيما يمكن وصفه بالشتات الفلسطيني.

بقيت منظمة التحرير الفلسطينية تزعم لنفسها احتكاراً لتمثيل الشعب الفلسطيني، وخاضت في العديد من التحالفات والكواليس لتحتفظ بهذه الصفة لدرجة أعطت الأنظمة العربية الأريحية الكاملة لتزيح أعباء القضية الفلسطينية عن أكتافها، وكأن تأسيس دولة (اسرائيل) لم يكن إلا جزء من مخطط واسع التقت فيه مصالح الصهيونية مع الإمبريالية لضرب أي مشروع وحدوي عربي في منطقة مؤثرة من العالم تمتلك ما يكفي من الثروات لتكون في موقع منافس حقيقي للأوروبيين والأمريكيين.

حظيت المنظمة بدعم عربي كبير، وكانت غشاوة الدعوة للتحرير تجعل الفلسطينيين يتغاضون عن كثير من الهفوات والتجاوزات والأخطاء، فيبدو أن (التحرير) تبقى كلمة السر التي تستطيع أن تمضي بالشعب الفلسطيني وكأنه قافلة طويلة من السائرين نياماً، وما زالت الأقاويل التي تناقلها الرجال حول مرأى صدام حسين على القمر لأنه أطلق صواريخه تجاه (اسرائيل) تدلل على مدى الهشاشة النفسية الفلسطينية أمام الشعارات الكبيرة على مستوى قضيتهم.

يعيش الفلسطينيون اليوم شيئاً من الخذلان، وتبدو خياراتهم محدودة، وتراجعاً كبيراً في التعاطف مع قضيتهم وحقوقهم، وفتوراً من حلفائهم التقليديين، وعلى الفلسطيني أن يسأل نفسه في ظل هذه الوقائع عن سبب الخلل، عن أصل المشكلة، ولنقل بأن الهبوط الاضطراري بشخصية الفلسطيني من موقع المناضل من أجل الحرية والمقاتل لتحقيق العدالة، إلى أدوار صغيرة مثل تدبر التنظيم الإداري لشعب يعيش تحت الاحتلال كان يمثل أحد الأسباب، فلا أحد يتعاطف مع جباة الضرائب، ولم يلتفت كثير من الفلسطينيون أن حجراً واحداً ما زال بإمكانه أن يوقظ ذلك الجمر تحت الرماد في قلوب الشعوب العربية.

حجراً واحداً في توقيته الصحيح ومكانه المناسب، ألم تكن القضية الفلسطينية تعرضت للكوما بعد الخروج من لبنان والتورط في جولة غير مشرفة من حرب المخيمات، وألم ينتشلها من الغيبوبة جيل من أطفال الحجارة وقفوا بكل شجاعة وجرأة أمام الاحتلال الغاشم؟

تقف اليوم منظمة التحرير الفلسطينية أمام أسئلة مصيرية، بعضها عملي والآخر عاطفي، وعملياً، يعرف الفلسطينيون أنه لا يعيش اليوم رجال مثل هواري بو مدين أو عبد الله الصباح، وكل ما بوسعهم فعله هو المحافظة على الحد الأدنى من التواصل مع المجموعة العربية التي ما زالت ترى في القضية الفلسطينية قضية قومية، ولذلك من الصعب ايجاد روافع سياسية دولية لكيان فلسطيني بديل وجامع، كما وفقدت الرأسمالية الفلسطينية أو تكويناتها الجنينية ثقتها في أدوات المنظمة وفاعليتها، وحتى في أي حراك سياسي فلسطيني وتبدو وكأنها تحاول أن تحتفظ بمسافة لائقة بينها وبين العمل النضالي من أجل مصالحها المالية والاقتصادية.

من يمكن في هذه اللحظة التاريخية أن يتصدى لتمثيل الشعب الفلسطيني، وحتى ليس التصدي للقضية الفلسطينية التي تحتاج إلى إعادة تعريف بعد ما يسمى بصفقة القرن، والفرصة التي تدفعها الغطرسة الإسرائيلية – الأمريكية لوضع الفلسطينيين وكلاءاً لمواجهة مع العنصرية على المدى الإنساني المتسع، من يمكنه أن يتقدم لهذه المهمة، وهل استيقظ بعض الانتهازيون والنائمون والسماسرة من أجل اقتناص هذه اللحظة والحديث عن تمثيل جديد؟

استعادة تمثيل الشعب الفلسطيني تبدو في هذه المرحلة أولوية عاجلة، فالفلسطينيون خسروا من ذلك الانقسام في تجربتهم الديمقراطية المبتسرة وما أنتجه من نشر متبادل للغسيل جعلهم يظهرون أمام العالم بصورة المتسولين المتصارعين على الفتات وعلى التحويلات المالية، وبعد أن كانوا قضية محترمة يمكن أن تدعمها أو أن تقف ضدها، أصبحوا حالة سياسية مائعة يمكن استغلالها ساحةً للصراع السياسي للأطراف الأخرى، وكأن الفلسطينيين لم يتعلموا من خطيئة التأرجح على طريقة ياسر عرفات بين صدام حسين والخميني والقذافي وغيرهم!

الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى الغضب لأنهم استهلكوا أنفسهم في ذلك، الغضب ضروري ومهم إذا اقترن مع عملية من النقد الذاتي ومراجعة مطولة والمضنية والمؤلمة والمستعدة لأن تمضي بعيداً داخل الجراح التاريخية، والمفارقة، أن هذه العملية تحتاج أيضاً إلى تمثيل حقيقي من أجل اتمامها بطريقة صحيحة ومنتجة، ويبدو أن المسؤولية يجب أن يلتقطها بعض القيادات الأخيرة الملتزمة ضمن نفس المنظومة، عليهم أن يتقدموا بطريقة أو بأخرى لأن يقودوا عملية انتقالية تستطيع أن تصنع جيلاً جديداً من القيادات، وربما ما زال هنا أو هناك، بعض الشخصيات التي يمكنها أن تتحرك ومن داخل كل فئة من الشتات النفسي والجغرافي الفلسطيني لتنتج خطاباً جديداً بعد الوصول إلى مرحلة الخطاب الذي لم يعد سوى استجداء لا مكان له في عالم يجب أن تمتلك فيه أدوات التأثير والتحالفات الكافية والوسائل الصحيحة لصناعتها.

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();