الرئيسية / آراء ومقالات / لماذا لا تتحدثون عن تشيلي وانتفاضتها ؟

لماذا لا تتحدثون عن تشيلي وانتفاضتها ؟

السيد شبل/كاتب وباحث سياسي من مصر

عندما تقارن اهتمام جمهور الناشطين العرب بما جرى في فنزويلا وأزمتها على مدار العامين الماضيين 2018 و2019، بحجم الاهتمام بما تشهده تشيلي ابنة ذات القارة من احتجاجات شعبية ضخمة تدخل شهرها الثالث تسببت في سقوط قتلى وتعرض آخرين لإصابات خطيرة وتعجيزية.. تدرك على الفور أن الاهتمام الحاصل لم يكن سوى صدى لطنطنة وسائل الإعلام الغربية، وقد كان للمصالح المالية المتحكمة في تلك الوسائل مصلحة في تلطيخ سمعة نظام نيكولاس مادورو والثورة البوليفارية في فنزويلا، واستغلال الأزمة لإدانة مسلك التحرر الوطني إجمالًا والتنكيل بأفكار القطاع العام والإدارة الحكومية مع تهميش الدور الأمريكي المركزي في تلك الأزمة، أما في حالة تشيلي فهي محكومة بواسطة نظام يميني حليف لواشنطن، ويجلس على رأسه رجل أعمال ثري هو الرئيس “سبستيان بنييرا”، وبالتالي سيقوم الإعلام الغربي بدور محدد في التغطية الخبرية (حتى لا يُلام مهنيًا)، لكنه لن يصعّد الحدث لكي يكون محور اهتمام عام.

“بنييرا” الذي تحدث من شهور -كرجل مخلص لسياسة البيت الأبيض- مهاجمًا فنزويلا ومتهمًا نظامها بالديكتاتورية وقمع الشعب!، يُطلق اليوم أجهزة الشرطة والجيش لكي يقوموا بقمع المحتجين في تشيلي وسحلهم في الشوارع وإطلاق الكلاب عليهم والاعتداء عليهم جنسيًا وتصويب الرصاص تجاههم، فيسقط عشرات القتلى بخلاف عشرات المصابين.. لكن “المنظمات المدنية” لا تنتشر في تشيلي، فبالتالي لا تحظى انتفاضتها بحجم التغطية التي تحظى بها “الثورات الملونة”، كما أن ما ينتفض عليه محتجو تشيلي هو بعينه البرنامج الاقتصادي الذي تفرضه السلطات المالية العالمية عبر الصندوق والبنك الدوليين، ويتمثل في انسحاب الدولة وخفض الدعم والضغط على الطبقات الأقل دخلًا.

في أكتوبر 2019، انطلقت الاحتجاجات في العاصمة سانتياجو على خلفية زيادة سعر تذكرة المترو، كجزء من سياسات الليبرالية الجديدة التي يعتمدها “بنييرا”، وبدأ طلاب الثانوي يتهربون من دفع التذاكر بتدبير بينهم، فواجهتهم الشرطة وتصاعدت الأمور إلى عنف متبادل، لكن هذه الحادثة لم تكن سوى الفوّهة التي مر عبرها غضب متراكم بسبب إجراءات اقتصادية عامة تسببت في زيادة تكاليف المعيشة، وخصخصة مزيد من الأملاك العامة، وعدم المساواة السائدة في البلاد (كان الحدث الذي أثار الرأي العام في تشيلي بشدة، هو أنه بالتزامن مع الاحتجاجات وثورة محدودي الدخل كان “بنييرا” مشغولًا بالاحتفال بعيد ميلاد واحد من أحفاده المُدللين في أغنى منطقة بالعاصمة وفي أغلى المطاعم.. وعندما عُرضت الصور كانت كافية لتفجير مزيد من الغضب).

قبل خمسة أيام من نهاية أكتوبر 2019 كان هناك مليون شخص في الشارع يحتجون على “بنييرا” ويطالبون باستقالته، فكانت حصيلة القتلى هي 19 بخلاف 2500 مصاب ناهيك عن اعتقال 2840 شخص.. والأعداد الآن قد تتضاعف بعد مرور نحو شهرين على هذا الاحتجاج المليوني، وكما المتوقع صاحبت تلك الحالة مساحات عالية من التخريب والفوضى (أغلقت مدارس وتعطلت حركة النقل وسكّرت المتاجر أبوابها).
المتظاهرون، بحسب رويترز، يرون أن أحوالهم صعبة، وأنهم يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم بسبب التكاليف المرتفعة للأنظمة التعليمية والصحية المخصخصة جزئيا والإيجارات والمرافق.

ويقول “جوزيه ميجيل أهومادا”، وهو خبير اقتصادي سياسي إن تشيلي هي واحدة من أكثر الدول أمريكا اللاتينية التي تشهد فوارق هائلة بالدخل والمعيشة، وتقول المعلومات أن 1 ٪ من سكان تشيلي يسيطرون على 26.5 ٪ من ثروة البلاد ، في حين أن 50 ٪ من الأسر ذات الدخل المنخفض تحصل على 2.1 ٪..
هذه الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها، فقد واجه “بنييرا”، عندما تولى الحكم للمرة الأولى ما بين ٢٠١٠ و٢٠١٤ -كأول يميني يصل للرئاسة منذ انتهاء عهد المجرم حليف واشنطن “أوغستو بينوتشيه”- احتجاجات ضخمة في عام ٢٠١١ بمنطقة ماجلان سقط فيها قتلى على خلفية تخفيض دعم الغاز الطبيعي مما أدى لزيادة أسعار شرائه، وخضعت حينها الحكومة ف وحجّمت من مقدار الزيادة، كما واجه بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٣ احتجاجات واسعة من الطلاب الذين رفعوا شعارات “التعليم ليس للبيع” مطالبين بالملكية العامة للمؤسسات التعليمية، وراغبين في تدخل الدولة لضمان حق التعليم لأبناء الأسر الأقل دخلا، وإيقاف تحول التعليم لوسيلة للتربح، وقد نجحت تلك الاحتجاجات في الحط من شعبيته وقتها.

لا يمكن غلق الحديث عن “سبستيان بنييرا” والاحتجاجات في تشيلي، دون لفت الأنظار إلى أن “بنييرا” كان قد زار الأراضي المحتلة في يونيو 2019، وخلال اللقاء مع رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” قام بتوقيع العديد من الاتفاقيات التي تربط تشيلي والكيان الإسرائيلي في المجال العلمي والتكنولوجي، وفي 2018، وخلال زيارة الجنرال الصهيوني “يعقوب باراك” لشيلي تم تجديد اتفاقيات التعاون العسكري بين جيش شيلي وجيش الاحتلال.. ثم بالتزامن مع الاحتجاجات الجارية الآن نشرت الصحف العالمية أخبارًا عن أن التكتيكات التي يعتمدها الجيش التشيلي في قمع المحتجين والذين يشلمون كالعادة أعدادًا من السكان الأصليين مثل مابوتشي تتشابه مع التكتيكات التي يستخدمها جيش الاحتلال الصهيوني، وفي العموم لا يخفي على أحد الروابط العميقة التي جمعت بينوشيه بـ”تل أبيب”، حيث كانت “إسرائيل” واحدة من أهم موردي الأسلحة إلى سانتياجو، خاصة حين اضطرت الولايات المتحدة إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى تشيلي في عام 1976 مع تزايد الحديث عن الجرائم الحقوقية (وإن بقيت واشنطن هي الممول والداعم الأهم لبينوشيه، ومحتمل أن السي آي إيه وجد طريقًا للتحايل على هذا الحظر)، وبحسب وثيقة سرية للمخابرات الأمريكية فإنه بين عامي 1975 و1988، باع الكيان الإسرائيلي أنظمة رادار وصواريخ جو – جو ومعدات بحرية وطائرات وأنظمة مضادة للصواريخ إلى الديكتاتورية الشيلية.. ولم تتأثر تلك الروابط العسكرية رغم رحيل بينوشيه.

عن harka

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();