الرئيسية / آراء ومقالات / في إعادة تعريف معنى الهزيمة

في إعادة تعريف معنى الهزيمة

السيد شبل- مصر

بعد كل تلك العقود لا زال البعض يتوهم أن عودة شبه جزيرة سيناء منزوعة السلاح إلى مصر يعود لـ”دهاء” أحدهم.. وإن هذا القول لفيه كثير من “المسخرة” و”الكوميديا” بالحقيقة.. ! إن الصواب الذي يعرفه العالم كله، سوى من يُغمض عينيه عامدًا ثم يسرتهما بيديه لتأكيد العمى، هو أن ثمن “عودة سيناء” كان باهظًا وفادحًا، وقد تمثل في أن تترك مصر لـ”إسرائيل” فلسطين (التي هي جزء من دولتها القديمة، واسألوا تحتمس الثالث!)، وتمّ ذلك عبر الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني واختصار أحلام العرب في دويلة مسخ تقوم على ما تفضلت به آلة الاحتلال العسكرية، وعبر تطبيع العلاقات رسميًا مع “تل أبيب” والسماح لعلم الكيان بأن يرفرف على الشاطيء الغربي لنهر النيل، وعبر الامتناع تمامًا -في السر والعلن- عن تقديم أي صورة من الدعم العسكري أو المعنوي أو السياسي للمقاومة المسلحة، بل انقلب الأمر لنهش سيرتها عبر وسائل الإعلام.

وكان المقابل أيضا أن تخالف مصر، وبلا أي داعي، الحقائق الطبيعة فتنعزل عن عروبتها، فيصير هذا البلد المركزي بتاريخه وتعداده البشري الضخم لقيطًا ضعيفًا بلا عائلة يتحصّن بها ويستمد منها قوته ويواجه بسلاحها البشري والمادي العالم..فتُسقط عاصمته عن نفسها وصف الـ”قاهرة”، ويصبح العرب بدورهم بلا رأس بعد أن فقدوا ذلك القُطر الذي يملك من المقومات ما يؤهله للعب دور الأخ الأكبر الذي يربط، على الأقل من جهة الحقائق الجغرافية، شقّهم الآسيوي بتوأمه الأفريقي.. فتصاب الأمة كلها بالهزال وتتحول إلى فريسة لقوى النهب الأجنبية ويصبح دورها مُختصرًا في أن تكون سوقًا لتصريف بضائع الآخرين أو ضرعًا يُحلب منه النفط والغاز.

كما شمل الثمن طبعًا بالتوازي مع ما سبق التخلي عن القطاع العام وعن مخططات التصنيع والتنمية المستقلة، والاندماج في أي مخطط للبيت الأبيض ضد السوفييت (بداية من طرد الخبراء في 8 تموز/يوليو 1972 مرورًا بدعم القوى السلفية في أفغانستان.. وحتى تفكك الاتحاد ذاته)، أو ضد الأنظمة الاشتراكية (دور نادي السفاري في أفريقيا، على سبيل المثال) أو ضد الدول المقاومة على شاكلة إيران (استقبال الشاه المخلوع محمد بهلوي والتعاون مع الأمريكيين في مخططاتهم العسكرية ضد ثورة الإيراينين)..إن ما جرى على يد أنور الساداتي وفريق المخططين والمستشارين المحيطين به طوال سنين حكمه ما بعد العبور في 1973، لم يكن أكثر من المساومة على نهج جمال عبد الناصر.. ومن أجل الوصول إلى تلك النتيجة هذا كانت ضربة يونيو 1967.

إن آلة الحرب الصهيونية والقوى الغربية التي قدمت الدعم لها في عدوان يونيو لم تكن تستهدف الأرض بالتحديد أو إضافة كيلومرات هنا أو هناك بقدر ما كانت تستهدف مشروع المقاومة الذي حمله جمال عبد الناصر، والذي بغيابه (بل وبتلطيخ سمعته) يهيمن الأمريكي على قصر الرئاسة نفسه، ويسلب مصر قدرتها على صياغة قرارها السياسي بشكل مستقل، ويطعن مشاريع الوحدة العربية والتصنيع والتنمية الاقتصادية المعتمدة على الذات في سويداء قلبها.. بل والأخطر من ذلك أن هذا المخطط العدواني الصهيوأمريكي الذي مرّ من بوابة “السلام”، قد نجح أيضًا في اغتيال الروح الوطنية، عبر تغييب مفهوم الجمعية وربط مصلحة الفرد بمصلحة جماعته، فبالتالي تفكك المجتمع، وأصبح محكومًا بفردانية مؤذية، أي أنها ليست حتى فردانية خلّاقة تتكامل لتصنع واقعًا جماعيًا أفضل، بل فردانية لا تتردد في التعاون مع الأجنبي أو الإفساد العام من أجل المصلحة الذاتية، أي أن المجتمع فقد صفته كـ”مجتمع”، بل وضاع منه إيمانه بقدرته على أن يكون مجتمعًا أفضل ومستقل ومنتج.. وهنا تكمن الهزيمة الحقيقة

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();