الرئيسية / آراء ومقالات / في إطار صفقة القرن، أين يكون مشروع غاز شرق المتوسط؟

في إطار صفقة القرن، أين يكون مشروع غاز شرق المتوسط؟

استناداً إلى محرك الاقتصاد الجديد الغاز، فخارطة العالم الحديث بعد الثورة الرابعة ستستند إلى مالكي الغاز بالدرجة الأولى، وكما ذكرنا في المقال السابق فالصين من المرتقب أن تعتمد بنسبة 75% من موارد الطاقة على المستورد منها، ما يهدد طموح الصين في هذا هو القوة البحرية الأمريكية.

في معترك الانتخابات الأمريكية القادمة صرح السيناتور الأمريكي عن ولاية جورجيا ديفيد بيردبو لموقع Defense News: «جيشنا اليوم في أصغر صوره منذ الحرب العالمية الثانية؛ والبحرية الأمريكية في أصغر صورها منذ الحرب العالمية الثانية كما أن لدينا أصغر وأقدم قوة بحرية على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة. في الوقت نفسه نحن نواجه تهديدات معقدة من الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران».

بالنسبة للأمريكيين فإن تصريح بيردبو يرسم صورة قاتمة لمستقبل الولايات المتحدة، و بالعودة إلى عام 2010، جمع فريق يعمل لصالح مركز التحليلات البحرية دراسة تبين أن البحرية الأمريكية تقف عند «نقطة حاسمة»، وإذا تحرك مستواها إلى أقل من ذلك فلن تكون البحرية الأمريكية القوة العالمية الهائلة التي كانت عليها منذ مرر الكونغرس القانون البحري للمحيطين لعام 1940 ووقعه روزفلت.

ويقول الفريق إنه لو حدث تأرجح آخر في أعداد السفن وقدراتها أكثر من ذلك فإن ما لديها من أصول سيكون أقل بكثير لينفذ المهام المنوطة به. وبالتالي ستعود البحرية الأمريكية إلى حالتها التي كانت عليها قبل الحرب العالمية الثانية.

في هذا الإطار فإن الصين تعتمد اعتماداً كبيراً على مفهوم وحدة الجغرافية السياسية الثابتة منذ حوالي 2000 عام، واتصالها البري بمعظم مستهلكي إنتجاها الصناعي، وأي حالة شراكة قائمة بينها وبين روسيا فهي تستهدف ثلث سكان العالم، ناهيك عن مجموع العلاقات التي أنشأتها الصين مع آسيا وأوروبا برياً، ومن هنا نفهم السلوك الأمريكي في إيجاد دول تتصارع مع الصين من محيطها في محاولة للحد من نمو الصين الاقتصادي، وصولاً لنقطة فرض عقوبات اقتصادية على الصين والذي كان مستبعداً أن تمارسه الولايات المتحدة حتى سنوات قليلة سابقة لحجم الترابط والتشابك بين اقتصاد كلا الدولتين واستحداث مشكلة الإيغور.

في إجابة عن سؤال لمن ترجح الكفة الآن في ظل أن الوصف الحالي لأمريكا بأنها شرطي العالم، والصين هي البنك الممول للصناعة في العالم أجاب وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر: لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستستمر في طريق الإنحدار، في الواقع أمريكا بلد حيوي مبدئياً، وهي في وضع القادر على التعامل مع العديد من المشكلات، على غرار العجز في ميزان المدفوعات” لكن كيسنجر أهمل في كل هذا حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي والهيمنة الأمريكية التي رسمت عبر البحرية، والتي حسب الواقع باتت أكثر تراجعاً من ذي قبل حتى في أكثر المناطق حساسية مثل مضيق هرمز.

بالعودة إلى الصراع على الغاز، حتى منتصف 2014، أبقت أمريكا على فرض العقوبات على إيران في واقع لم يكن هناك بداً من الاستجابة للعقوبات الأمريكية على إيران، وذلك في خطوة استباقية من الولايات المتحدة الأمريكية لمنع إتحاد روسي إيراني في إدارة أي أزمات اقتصادية مستقبلية مصدرها الطاقة في العالم، فقد ركز الأمريكيون في مطلع القرن ال21 على إيجاد مصدر غاز بديل عن روسيا لأوروبا، لذلك فقد ذهبت أمريكا إلى تركمانستان وأذريبجان والتي تعد الحديقة الخلفية لروسيا، وتشكل دور البلد العازل على بحر قزوين باتجاه إيران، فالدور الأمريكي في أذربيجان كان يعمل دائماً على تغذية التناقضات مثل حالة الاتصال التي حصلت بين الشيشان وأذربيجان، واتهام أذربيجان لروسيا بمحاباة أرمينيا على حسابها، والدفع بأذربيجان لتكون منافساً عالمياً لروسيا، وبهذا فقد استطاعت الولايات المتحدة ومن خلال دورها في كل من أذربيجان كأحد أكبر مالكي احتياط الغاز في العالم وتركمانستان للقبول بمشروع خط نابوكو والذي يهدف إلى تزويد أوروبا بالغاز من أذربيجان وتركمانستان بخط أنابيب يمر عبر بحر قزوين مروراً بحدود جوروجيا وعبر تركيا فبلغاريا ورومانيا إلى المجر فالنمسا.

اتخذت أول خطوة عملية في بداية عام 2002 حينما وقع بروتوكول للاشتراك في المشروع بين كونسورتيوم من شركة أو إم في غاز النمساوية وبوتاش التركية و(إم أو إل) المجرية و(ترانس غاز) الرومانية و(بلغارغاز) البلغارية، وكان المشروع يهدف إلى ربط احتياطيات الغاز في آسيا الوسطى عبر بحر قزوين بأوروبا من خلال خط أنابيب يعبر بحر قزوين إلى أذربيجان ثم إلى النمسا، دون المرور بروسيا، أي أن مشروع «نابوكو» كان مخططا له أنه بإمكانه في نهاية الأمر أن يوصل الغاز الطبيعي مباشرة من وسط آسيا إلى وسط أوروبا، من دون أن يعبر روسيا، وبحسب دراسات المشروع في بداياته فهو يعتمد أساساً على تصدير الغاز الطبيعي من المزود تركمانستان، التي تملك رابع أكبر احتياطي غاز في العالم من خلال تمرير خط أنابيب عبر حوض قزوين يحمل غاز تركمانستان إلى أذربيجان دون المرور على الأراضي الروسية.

غير أن مشروع نابوكو لم يبصر النور وتم تعطيله وإرجاؤه فترة امتدت إلى تاريخ توقيعه في عام 2009م وذلك لأسباب عديدة، ومن أهمها ما قامت به روسيا من تفريغ المشروع من محتواه على كافة المستويات القانونية والاقتصادية والسياسية، وقد تبنت في ذلك استراتيجية اعتمدت خلالها على ثلاثة محاور:

المحور الأول: إثارة نزاع الملكية القانونية حول بحر قزوين.

المحور الثاني ويأتي في شقين، الشق الأول: بناء قوة شراء وبيع احتكارية في قطاع الغاز محليا والتنسيق دولياً.

الشق الثاني: إنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز بينها إيران التي تملك ثاني أكبر احتياطي وقطر التي تملك أكبر حقل غاز في العالم، وتضم أراضيها كميات من الغاز تضعها في المركز الثالث من حيث الاحتياطيات العالمية بعد روسيا وإيران.

المحور الثالث: تكثيف الجهود لبناء خطوط غاز إضافية تمتلك روسيا حاليا جميع خطوط الأنابيب الغازية العابرة للحدود وصولاً إلى أوروبا، وتوجهت روسيا في هذا المحور الاستراتيجي إلى تكثيف الجهود لبناء خطوط غاز إضافية واستمالت بعض الدول الأوروبية للمشاركة في بناء خطوط غازية ضخمة كخط غاز الأنبوب الشمالي الموصل لأوروبا وكذلك خط غاز «الأنبوب الجنوبي» «ساوث ستريم» الذي يمر تحت مياه البحر الأسود، وصولاً إلى بلغاريا، ملتفا على أوكرانيا، وذلك بتكاليف إنشاءه تبلغ عشرة مليارات يورو (13.9 مليار دولار) تتقاسمها مع إيطاليا.

خط أنبيب نورد ستريم " السيل الشمالي"
خط أنبيب نورد ستريم ” السيل الشمالي”

 

خط غاز «الأنبوب الجنوبي» «ساوث ستريم»

 

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();