الرئيسية / آراء ومقالات / أدب وفكر / عرض وتلخيص كتاب بقلم د.بهجت سليمان.( الحلقة الأولى| الجزء الثالث )

عرض وتلخيص كتاب بقلم د.بهجت سليمان.( الحلقة الأولى| الجزء الثالث )

[ حقيقتنا المطلقة ]

[ الحياة و الكون و قدر الإنسان ]

● تأليف الفيلسوف ( إدريان كوبر )

■ نقله إلى العربيّة : ( أ. د. منذر محمود محمد )

{ يحتوي الكتاب على ( 3 ) أجزاء }

في ( 113 ) فصلاً
و مقدّمة و خاتمة

في ( 670 ) صفحة من القطع الكبير

■ إن حقيقتنا المركزية المطلقة هي ببساطة نقطة تركيزنا و هي نقطة وعينا الشعوري الموجود داخل جسدنا المادي ؛ و من هنا نجم الوعي الخاطئ أننا كأفراد كائنات منفصلة. ■

الأهمّ في القبلانية هو لفت الأنظار إلى روح الفرد، أي إلى النور الرباني الحاضر باستمرار في الكون بكل زخمه و قوته، كونه أبدياً و لامتناهيا .
و معنى القبلانية في المحصلة هو بالضبط نفس المعنى المنسوب للمعرفة و التعاليم الواردة في كافة الثقافات العالمية العظيمة في الشرق و الغرب، و بالتحديد في مسألة أن كل شخص هو روح خالدة صُنعت على صورة الخالق الحقة، و هو شريك مساو في العملية الخلّاقة في الكون، و هو يُمثّل الرب الأصغر؛ و هذا ينسجم تماماً مع الفيزياء الكمية و يتّسق مع كافّة القوانين الكونية المعروفة و خصوصاً قانون السبب و النتيجة. و القدر المحتوم لكل إنسان يكمن في تحقيق إعادة التوحد مع الرب من خلال عملية التّنبيل و الكمال و التّثبّت من إدراك الرب في داخله. فصورة الرب الحقة لا تعني أن للربّ شكلاً بشرياً كسائر البشر بل تعني في حقيقتها الروح الخالدة.

تحتوي “شجرة الحياة” بحسب الفلسفة القبلانية على إحدى عشرة مملكة و هي ما يُعرف في المُصطلح القبلاني باسم “السّفن” و كلّ واحدة منها تمثّل قناة اتصال مع الطاقة الربانية؛ و هي بالترتيب التنازلي، على النحو التالي:

١ – ” كيتر” ؛ أو التاج ؛ و هو الأول و الأسمى من بين هذه الممالك العشر، و هو يتطابق مع منطقة الوعي الأقصى للتجربة. يتمثّل التاج بهالة تلفّ الوعي.

٢ – ” تشوتشماه” Chochmah ؛ أو الحكمة ، و هي القوة الأولى للفكر الواعي ضمن فعل الخلق.

٣ – ” بيناه” Binah ، أو الإدراك ؛ و هو القوة الثانية للفكر الواعي ضمن نطاق فعل الخلق.

٤ – ” دات ” Da,at ، أو المعرفة ؛ و هي القوة الثالثة و الأخيرة للفكر الواعي ضمن نطاق فعل الخلق.

٥ – ” تشيسيد” Chesed ، أو حسن المعاملة ؛ و هي الأولى بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

٦ – ” جيفوراه” Gevurah ، أو القوة ؛ و هي الثانية بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

٧ – ” تيفاريت” Tipharet ، أو الجمال ؛ و هو الثالث بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

٨ – ” نيتزاخ ” Netzach ، أو النصر ؛ و هو الرابع بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

٩ – ” هود ” Hod ، أو العظمة ؛ و هي الخامسة بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

١٠ – ” يصود” Yesod ، أو القاعدة ؛ و هي السادسة بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

١١ – ” ملكوت” Malkut ، أو المملكة ؛ و هي السابعة و الأخيرة بين الرموز العاطفية ضمن نطاق فعل الخلق.

و بالتعاقب هبوطاً من مرحلة التاج إلى مرحلة المملكة، تتمثّل في هذه “الممالك” المراحل المختلفة لعملية خلق الكون التي قام بها الرب، و من داخل كينونته، بإنتاج عوالم مخلوقة توجت جميعها بخلق الكون اللامتناهي؛ و من الجدير بالذّكر هنا أنّ هذه العملية هي بالضّبط ما تمّ توصيفه بشكل مستقلّ في لوح هيرميس الزّمرّدي.

تصف “القبلانية” المراحل الحقيقية لعملية الخلق برمتها بدءاً من أسمى تجلياتها المتمثّل في المنبع أو الرب أو النور الأولي هبوطاً إلى عالم المادّة الفيزيائي؛ و يمكن تلخيص ذلك على النحو التالي:

أور إين سوف Or Ein Sof : “النور اللامتناهي للرب”. المراحل العشرة للنور اللامتناهي للرب.

سود هاآتزيمتزوم Sod Ha,Tzimtzum : “سرّ الانقباض”. المراحل الثلاث لسرّ الانقباض. إزالة النّور اللامتناهي للرب.

آدم كادمون Adam Kadmon : “الإنسان الأول”. مرحلتا الإنسان الأول. إرادة الرب الخاصة و خطته لبعث العوالم، و الأنوار المنبعثة من الإنسان الأول.

أكوديم ، نيكوديم ، بروديم Akudim, Nekudim, Brudim : القيد، الأغراض ، و الارتباط. المراحل الثلاث للسّفن التي تبدأ من الأنوار المنبعثة من الإنسان الأول.

كيتر دوآزيلوت Keter D,Azilut : “تاج الانبعاث”. المراحل الثماني لعملية التّصحيح في عالم الانبعاث، بدءاً بتصحيح تاجه.

أولام هاآتزيلوت Olam Ha,Atzilut : “عالم الانبعاث”. المراحل العشرة لعالم الانبعاث ، الوعي الحصري للوحدة الربانية.

عوالم أبيا : أتزيلوت، بيرياه، يتزيراه، و آسياه ABiYA, Beriah, Yetzirah, and Asiya : المراحل الأربع المنبعثة من النور اللامتناهي للرب..

فآتزيلوت هو عالم الانبعاث ،
و بيرياه هو عالم الخلق ،
و يتزيراه هو عالم التّشكّل ،
و آسياه هو عالم الفعل .

هذا و إنّ كل هذه العوالم مصدرها رباني، أي صادرة عن النور الأول للرب، الخالق الأكبر و العلة الأولى، و تنتج عن ذلك بالتالي، عملية الخلق التي تنتهي في المحصلة بالعوالم الطيفية السامقة، و كذلك بالكون المادي كما هو معروف بالنّسبة إلى العلم و للإنسان عموماً.

إنّ كل ما تقدّم وارد في لوح هيرميس الزمردي.

الفصل السادس عشر

حكمة الفيزياء الكمية

منذ القرن السابع عشر و حتى القرن التاسع عشر ترافقت فيزياء نيوتن بنموذجها الميكانيكي للكون مع المفهوم العام المتشدّد للرب الأبوي في صورته الأولية الفارض من علٍ قوانينه الإلهية بحسب المعتقدات الدينية السائدة في العالم و كتبها المقدسة، و ذلك وفق رأي أو تصور صارم و صلب و ميكانيكي للكون الثلاثي الأبعاد ؛ و استمر ذلك حتى بداية القرن العشرين، و ما زال مسيطراً عموماً على الفكر العلمي حتى يومنا هذا، بعد أن حاز على إجماع شعبي عالمي في مزاج من الأفضل عدم المساس به أو التعرّض له.

في الثلاثة عقود الأولى من القرن العشرين بدأ العالم يشهد تحديات كبيرة للأسس النيوتونية التقليدية للعلم من نظريتي النسبية و الفيزياء الذّريّة اللتين بدأتا بتفكيك النظرية النيوتونية التقليدية، و بخاصة ما جاء مع ألبرت إنشتاين.
و بالتعامل التالي مع مفهوم الإشعاع الكهرومغناطيسي كان العلم يُبشّر بانبلاج عصر ما اصطلح على تسميته “النظرية الكمية”، و التي توصل إليها فريق من علماء الفيزياء بعد انقضاء عشرين سنة فقط على نشر بحث إنشتاين.

و عدا عن مفهوم الكون الزمكاني عند أينشتاين، فإن الحقيقة الأهم التي أثارها هذا العالِم هي أن الكتلة شكل من أشكال الطاقة. و هذه الحقيقة تتوافق مع الحكمة السائدة في كل العصور و التي بشّرت بفكرة أنّ الكون ما هو إلّا طاقة صرفة أو طاقة على شكل ذبذبات بوتائر متسارعة هبوطاً باتجاه عالم المادة الفيزيائي.

تنامى أخيراً إلى الفهم أنّه يمكن تفسير مبادئ الكيمياء من خلال قوانين الفيزياء الذرية؛ و سوف يُصبح واضحاً فيما بعد، و كما كانت الحكمة القديمة تقول، إن المادة بجميع أشكالها هي ليست في نهاية المطاف سوى طاقة نقية صرفة على شكل ذبذبات كالتي يتشارك بها كل شيء في الكون كجزء لا يتجزأ من هذا المظهر غير القابل للانفصام، و جزءاً لا يتجزأ من أكثر مظاهر الذبذبات سموّاً و ارتقاء و برهاناً على الطاقة المنبثقة من الرب، أي المنبع و العلة الأولى.

التأمت في عشرينات القرن العشرين ثلة من العلماء من أجل إحراز المزيد من التقدم في مجال تلك الاكتشافات. كان هذا الفريق الجديد الشهير يضم كلاً من نيلز بور Niels Bohr و ورنر هايزنبرغ Werner Heisenberg و بول ديراك Paul Dirac و إيوين سكرودينغر Erwine Schrodinger و ولفغانغ باولي Wolfgang Pauli و لوي بروغلي Louis de Brogli.

عملت هذه الكوكبة من العلماء الألمعيين في هذا الحقل الذي كان في بداياته حينها، و هو حقل استقصاء الجزيئات ما تحت الذرية. ووجه أولئك بتناقضات في تجارب أفضت إلى أنه لا يمكن شرح أي شيء من خلال الفيزياء التقليدية، فولجوا بصورة أو بأخرى إلى عالم “النّظرية الكميّة” كما عبّر ورنر هايزنبيرغ.

كان الاكتشاف الأهم أن الجزيئات الذرية أو ما تحت الذرية و التي هي أبعد ما تكون عن الصّلابة، هي في الحقيقة طاقة نقية صرفة تتذبذب ضمن ترددات عالية جداً و لكنها متفاوتة؛ و لقد أدى هذا إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تبيّن أن الجزيئات كوحدة متميزة متحدة مع الكون بأسره.
فالذرات تحتوي علاوة على البروتونات و النيوترونات و الإلكترونات، الجزيئات ما تحت الذرية، و تم هذا الاكتشاف مع حلول عام 1935، و أما في عام 1955 فقد تم اكتشاف ثمانية عشر جزيئاً إضافياً، و استطاع العلم المعاصر بعد ذلك الكشف عن وجود ما يربو على مائتين من الجزيئات ما تحت الذرية.
كانت هذه الاكتشافات محورية من أجل فهم الميكانيك الكمي و الفيزياء الكمية التي أطلقت إمكانية فهم جديد للطبيعة الحقيقية للكون.

كان أحد أهم الاكتشافات الجديدة هو أن الإلكترون الواحد يمكن أن يظهر إما على شكل موجة أو على شكل جزيء، و هي السمة الأساسية لكل الجزيئات ما تحت الذرية، فأصبح الاعتقاد راسخاً بأن هذه الجزيئات لا يمكن تصنيفها ببساطة كموجات أو جزيئات، بل ضمن تصنيف أمل و وحيد أصبح يُعرف باسم “وحدة الطاقة” Quanta.
مهّد هذا الاكتشاف إلى الاعتقاد الجازم بطبيعة الكون التكاملية، و هي حقيقة تم تعليمها و تلقينها في كافة أنحاء العالم و على امتداد آلاف السنين من قبل معلمين ذوي خبرة بالمعارف الأكثر قدماً في العالم.
أثبت هذا الأمر أن عالم المادة الفيزيائي ليس أكثر من وهم. شبّه عالم الفيزياء نيك هيربرت Nick Herbert سلوك وحدة الطاقة بالحساء الكمي الشديد الغموض و المتدفق من دون توقّف. قال: “لا يمكن للبشر اختبار كنه الحقيقة الكمية لأن كل ما نلمسه يتحول إلى مادة”.

من الموضوعات التي كانت مثيرة للجدل موضوع “السّبب و النّتيجة”. افترض ديفيد بوم أن أي تأثير محدد يمكن أن يكون نتاجاً لجملة لا متناهية من الأسباب. إن أي تأثير هو نتيجة للسبب الذي أدى إليه و بالمقابل يعتبر السبب بمثابة نتيجة لسبب آخر سبقه و هكذا دواليك.
إن أية علاقة للسبب و النتيجة لا تنفصل عن الكون ككل. هناك ما يُسمى ب”الترابط الداخلي غير المحلي” الذي يعني أنه ضمن الظروف المناسبة يمكن للإلكترون أن يُحسّ بالحقل المغناطيسي في منطقة لا يمكن أبداً في الظروف العادية أن تكون هناك فرصة لاكتشاف الإلكترون فيها، و هو ما عُرف باكتشافات “مفعول أهارانوف – بوم”.
و مع “الأنظمة المطوية أو المنبسطة” عند ديفيد هيوم بدأ يتكشف من جديد نظام الكون و كماله حيث لا شيء يخلد إلى الراحة أو السكون.
و ما كان جوهرياً بالتطابق مع المعرفة القديمة خاصة هو ما عرضه هيوم من مفهوم الحقيقة الكونية “للشمولية”، فلا يمكن النظر إلى النظام الضمني من خلال الأجزاء الانفصالية.
إنه الكون العقلي أو الذهني للوعي اللامتناهي حيث يُنظر إلى الكون باعتباره جزءاً لا يتجزأ من كل شيء في الكون؛ و عليه فإنه لا يمكن للانفصالية أن يكون لها وجود. لا معنى إذاً لتقسيم الكون إلى قسمين: حي و غير حي، أو متحرك و غير متحرك.

نشر بوم عام 1987 كتابه بعنوان “العلم و النظام و عملية الخلق”. طرح في الكتاب نظريته حول أنه خارج و فوق النظام الضمني أو الباطني ، فإن هناك نظاماً ضمنياً أعلى، و هو ما يقود إلى فرضية أنه و بالتوافق مع نظرية الحقل الكمي، فإن النظام الضمني هو الحقل نفسه، و أن النظام ما فوق الضمني هو الذي يحتوي على التيار الكمي الأقصى؛ و هو بدوره يقود إلى الاستنتاج بأن الجزيء نفسه لم يعد المفهوم الأساسي، في الوقت الذي تبيّن فيه أن الحقائق الرئيسية هي في الحقيقة النظامان الضمني و ما فوق الضمني.

في النظام ما فوق الضمني، لا يوجد الجزيء إلا باعتباره نتاجاً خلقياً للعقل، أو بصفته عرضاً ثانوياً يمكن تلقّيه أو معرفته من خلال أدوات.
و ما بين أيدينا الآن هو الحركة الشمولية التي تحتوي على حقل كمي دائم التغير ضمن النظام الضمني، و على التيار الكمي الأقصى ضمن نطاق النظام ما فوق الضمني، أي الجزيء، نظراً لأن للنظام الظاهري تأثيراً تموّجيّاً متقطعاً على التيار الكمي الأقصى للحقل، ما يعزّز من وجود النظام الضمني الثاني.
نحن أمام أنظمة هرمية كاملة لمثل هذه الأنظمة ما فوق الضمنية. أما تأثيرات الأنظمة ما فوق الضمنية فيمكن أن تكون أكثر سموّاً و رقيّاً و خارج مدى القياس الذي يمكن أن تقدمه أية وسيلة بشرية.

يجب أن نذكر، هنا، أن المعرفة القديمة للعالَم كانت تعلّم دوماً و تدعم بشكل كامل وجود هرمية من الأنظمة ما فوق الضمنية الطيفية و المتعاقبة و التي كانت غالباً ما تُعرف بالسطوح أو الحقول أو الفضاءات أو العوالم أو الأبعاد.
المثال القديم الرائع لهرمية الأنظمة ما فوق الضمنية هو “شجرة الحياة” القبلانية، حيث أن كل مملكة فيها تماثل نظاماً فوق – ضمني.
و مع نزوع هذه الأنظمة باتجاه الداخل فإن النسيج المكون لهذه الأنظمة يصبح أكثر طيفية و تزداد معه بالتالي وتيرة الذبذبات و تقلص حجم الكثافة، و يزداد معه مقدار تأثير العقل في وحدات الطاقة في الأثير أو النسيج المكون اهذه السطوح.

تطرح نظريات ديفيد بوم فرضية احتواء الحقيقة المطلقة على حركة شمولية ديناميكية بمستويات ظهور أساسية ثلاثة هي:
النظام الظاهري أو ما يُعرف بالحقيقة المادية ،
و النظام الضمني أو الباطني ،
و أخيراً النظام ما فوق الضمني .
و يُضيف بوم إلى ذلك حديثه عن “نظام أبدي” ليس جامداً أو ليس مستمراً فيقوم بفعل الخلق بصورة أبدية.

من خلال نفيه وجود الحقائق أو الأبعاد الداخلية للحقائق الحقة، لأنه لا يمكنه رؤيتها أو قياسها من خلال أدوات مادية، فإن العلم الذي يعتمد التجريبية نبراساً له ما يزال يبرّر لنفسه الاستمرار في العمل ضمن حدود اللا واقع أو الوهم الناجم عن عالم المادة ثلاثي الأبعاد ، من دون أن يكلف نفسه عناء محاولة اكتشاف طبيعة هذه الحقيقة المطلقة.
وصل ديفيد بوم إلى استنتاج معمّق كانت الحكم القديمة تعلّمه و تنشر تعاليمه عبر العصور. يقول: “الوعي مرتبط بالنظام الضمني أكثر بكثير من ارتباطه بالمادة” و أردف مستنتجاً: “الوعي الإنساني في العمق هو واحد. هذا يقين افتراضي لأنه حتى الفراغ الموجود في المادة هو واحد؛ و إذا لم يكن بمقدورنا رؤية ذلك، فإننا نتعامى عن الحقيقة”.
لقد أثبت بوم أنه لا وجود لدليل حقيقي قاطع البتة في العلم التقليدي ذي الأبعاد الثلاثية ما يدعم الرأي القائل بأن الكون هو بطبيعته قابل للتشظي و أنه متفاوت و انفصامي. لقد تجاوز بوم حقائق المختبرات. لقد كان مدفوعاً بعاطفة جياشة تدفعه إلى الوصول إلى “الحقيقة”، بشكل تجاوز كل من عداه.

إن “وحدة الطاقة” و الذبذبات هي نفسها جزء لا يتجزأ من كل شيء في الوجود، و هي أيضاً “العقل الحي”. إن كل شيء في الكون هو مظهر من مظاهر الذكاء اللامحدود؛ و نحن جميعاً و كل شيء في الكون من مكونات لا تنفصم ، ننتمي إلى هذا الذكاء اللامحدود. الفكر طاقة نقية صرفة. إن كل شيء في الوجود تمكن مراقبته هو بالضرورة نتاج للتركيز الذهني، و هو قرار يُتخذ على مستوى معين من الوعي بضرورة وجود في هذا المكان أو ذاك.

توجد العوالم الطيفية على مستوى منخفض جداً من الكثافة، و على مظاهر عالية جداً من الذبذبات على مستوى الكون و بفارق كبير جداً لا يُقاس عمّا هو موجود في عالم المادّة الفيزيائي؛ و كنتيجة لذلك فإن وحدات الطاقة و الطاقة نفسها تتأثر بسهولة أكثر و بسرعة أكبر إلى الدرجة التي تظهر فيها الأفكار مطابقة لمثيلاتها المادية الظاهرة بصورة فورية بغض النظر عن كبرها أو صغرها؛ و هذا يؤدي إلى الخلق التجسيدي الفوري لأية رغبة. و لهذا يعتمد الوجود المستمر لفعل الخلق على درجة التركيز المستمر.

يمكن أن تُعتبر وحدات الطاقة بالمقاييس الكمية “رزماً من الاحتمالات”. تحتوي كل وحدةِ طاقة على احتمال أن تكون في أي مكان و في أي وقت، كما يمكن أن تقع تحت تأثير التفكير أو وحدات الطاقة الأخرى. إن وحدات الطاقة، بما فيها تلك التي تتكون أنت منها، ليست مرتبطة بالمكان أو الزمان.
وحدات الطاقة ليست زمانية و لا مكانية ، و هي موجودة في كل مكان بصورة متزامنة.
و المنبع أو العلة الأولى أي الرب هو في عين الوقت كلي القدرة و كلي العلم و كلي الحضور؛ و تعتبر وحدات الطاقة إحدى تجليات الرب الأساسية و التي من خلالها نحصل على كينونتنا.
كل شخص هو بمثابة الجزء الذي لا يتجزأ من نفس الحقل العقلي الكلي، مع الأخذ بالاعتبار أن الكون من الناحية المفهومية يحتوي على أوهام “المراقِب” أو “المراقَب”؛ ذلك أن وحدات الطاقة نفسها تتواجد في أي وجود مواز، غير أنها و عند لحظها في أي موقع فإنها نفسها لن تكون في وضع يمكن للمراقِب فيه من مراقبتها في مواقع أخرى.
إن حقيقتنا المركزية المطلقة هي ببساطة نقطة تركيزنا و هي نقطة وعينا الشعوري الموجود داخل جسدنا المادي؛ و من هنا نجم الوعي الخاطئ أننا كأفراد كائنات منفصلة.

الفصل السابع عشر

حكمة العصور

كانت الحكمة و المعرفة و ما تزالان ، متشابهتين إلى أبعد الحدود على امتداد آلاف السنين، و قبل ظهور الديانات العقدية المتشددة، و لا يمكن أن يكون ذلك قد حدث بفعل المصادفة. و لكنّه و بفعل انعدام مثل هذا الوعي فإن العالَم ينحو اليوم باتجاه الظلامية مدفوعاً بقوى و عوامل عقدية متحجرة ذات منشأ تعصبي و مادي تُنفَخُ فيه نار الطاقة السلبية التي تولدها هذه القوى.
لقد ارتأت الفيزياء الكمية، على سبيل المثال، أن الكون بمجمله بما في ذلك الكون المادي، يتشكل من الطاقة التي تتذبذب باطراد و تسارع لافتين.
و تقرّ الفيزياء الكمية كذلك بحقيقة أن العالم المادي المألوف ليس هو الحقيقة الحقة على الإطلاق، بل هو وهم دقيق و مدروس من معطيات الحواس الخمس. و حيث لا يمكن لشيء أن يكون موجوداً بمعزل عن الكل المطلق للكون المتعدد الأبعاد، فإنه يمكن القول إن مجالات الفيزياء الكمية و الدرجة التي توصّلت إليها حتى اليوم، سواء كانت على دراية بذلك أم لا، تطرح المفهومات و الاستنتاجات ذاتها بالضبط حول حكمة العصور و كذلك حول طبيعة الكون الحقة و العلاقة بين كل شيء و آخر و كل فرد و آخر ضمن نطاق الكون و التي تمثّل السلسلة المتصلة للحقيقة و الطاقة و الذبذبات المتعددة الأبعاد التي تعتبر أن كينونة كل فرد و كل شيء هي جزء لا يتجزأ من المظهر الرباني.
إن نسبَ الطبيعة الأنانية ، للرب ، يسيء إساءة مباشرة إلى طبيعة الرب الحقة و اللامحدودة، و إلى حقيقة كونه الخالق الأعظم و سيّد هذا الكون و كل الأكوان. فالرب ثابت و راسخ و ليس عرضة لأي نوع من أنواع التغيير.
و لكنّ السؤال الذي لا بد منه هو أنه إذا كان من غير الممكن خلق شيء من لا شيء ، فما هو المكوَّن الذي خلقه العقل اللامحدود للرب كي يخلق منه الكون؟

ربما يتوهم البعض أن الرب خلق الكون من ذاته، و هو ما لا يُجيب على السؤال لأننا نعرف أن الرب لا يقبل الإضافة أو الجمع أو القسمة بأية صورة من الصور . كيف إذاً خلق الرب الكون؟

تقول لنا الحكمة القديمة إن الكون بأسره أي العالم الأكبر هو خلق ذهني ضمن إطار العقل اللامحدود للرب بالطريقة نفسها التي يخلق بها الإنسان، المجبول على صورة الرب، بطريقة عقلية و بواسطة عقولنا الفردية.
إن كل شيء و كل فرد في الكون بمجمله هو بالأساس “فكرة” داخل العقل اللامحدود للرب. و هذه النظرة تتناغم بصورة كلية مع الرؤية التجسيدية للفيزياء الكمية.
فالصورة ثلاثية الأبعاد في حقيقتها ، إسقاط يتساوى فيه الجزء مع الكل، و يكون فيها الكل متساوياً مع كافة أجزائه، و هذه بدورها تتناغم تماماً مع الإسقاط العقلي أو الذهني.

و فيما نقوم بالتّمعّن في ذلك، علينا أن نفهم أن المظهر الأدنى للكون فقط، أي العالم المادي، ما يزال وهماً. هو يبدو بالطبع حقيقياً جداً بالنسبة إلى البشر الذين يخوضون التجربة الحياتية كحقيقة ملموسة و ذلك من خلال محدودية الحواسّ المادية الخمس و بواسطتها ؛
و لكنّ عالَم المادة الفيزيائي على المستوى الكوني ليس سوى وهم في واقع الأمر . تُطلق الفلسفات الشرقية في الغالب على الوهم المتمثّل بعالم المادة كلمة “المايا”.

أثبتت الفيزياء الكمية أيضاً أن “وحدات الطاقة” تظهر إلى عالم الوجود فقط عندما تكون في وضع يمكن معه ملاحظتها فيه، و هذا ينطبق أيضاً على عالم المادة الذي يوجد في الحقيقة فقط عندما تتم ملاحظته عبر الحواسّ المادية الخمس، و التي تتحدد طاقتها في العقل و حسب.
و ضمن نطاق الحقائق الحقّة للعوالم أو “السطوح” المادية، كل شيء يُخلقُ بصورة فورية بواسطة المخيلة.
الرب هو العقل المطلق، و الخالق المطلق، و على هذا الأساس قام بخلق الكون بأسره، أي العالم الأكبر بكل فضاءاته المادية و الطيفية و العقلية في داخل عقله اللامحدود بالطريقة ذاتها التي يقوم بها الإنسان ضمن نطاق كونه أو عالمه الخاص به، أي العالم الأصغر، و ذلك في داخل عقله.
و سوف نرى كيف أنه لا وجود لأي شكل من أشكال الاختلاف بين وسائل الخلق عند الإنسان، العالَم الأصغر، و بين مثيلاتها عند الرب، العالَم الأكبر ؛ و المسألة تتعلق بحجم الخلق و حسب في الحالين.
و لكن على المستوى الأكثر أهمية يبقى أن الكون العقلي برمته أي الرب هو ذبذبات و طاقة صرفة.
و من خلال الحكم التالية فإن الأطياف الواسعة من الأديان في العالَم و على الرغم من مبادئها الأخرى ، كانت دائماً في توافق تام مع هذا المفهوم للرب سواء اختارت أن تتقبلها أم لا :

المسيحية : “مملكة السماء في داخلك”
الإسلام : “أولئك الذين يعرفون أنفسهم ، يعرفون الله”
البوذية: ” انظر إلى داخلك، هناك يقع بوذا”

فيدانتا ، و هي أحد فروع الديانة الهندوسية: ” أتمان و براهمان هما واحد”

* ( ملاحظة : أتمان هو الوعي الفردي ؛ و براهمان هو الوعي الكوني )
أوبانيشادس: و هو أحد فروع الديانة الهندوسية: “تستطيع معرفة الكون إذا استطعت أن تعرف نفسك”

يوغا : و هي أحد فروع الهندوسية: “الرب يعيش في ذاتك كذاتك”
الكونفوشيوسية: “السماء و الأرض و البشر يشكلون كيانا واحداً”
و أخيراً، هناك مقبوس من الإنجيل المسيحي يؤكد على هذه الحقيقة بصورة جيدة جداً: “في ذلك اليوم، سوف تعرفون أنني في داخل “أبي”، و أنكم في داخلي، و أنا في داخلكم”- يوحنا: 14: 20

الفصل الثامن عشر

الحكمة النابعة من الفضاءات الداخلية

بالإضافة إلى الحكمة القديمة التي كانت سائدة في العالم، و التي تم تلقّفُها و تعليمها على امتداد آلاف السنين، و إضافة إلى ما وصلت إليه الفيزياء الكمية مؤخراً، فإن ذات المعرفة ما زالت تُتلقّف و يتمّ التأكيد على صحتها و مصداقيّتها من مكونات نابعة من الفضاءات الداخلية، كما كان يحصل منذ أقدم العصور.

هناك العديد من أصحاب القدرات العقلية المتخصصة في كافة مظاهر التطور المستمر للإنسانية؛ و مع ذلك، فإن هناك آخرين ممن ينتمون إلى فضاءات أخرى مغايرة من الوعي و الإصلاح يستطيعون الولوج إلى المصدر الواسع و اللامحدود للمعرفة الكونية التي تعرف أيضاً بإسم “السجلات الأكاشية” Akashic Records.
إضافة إلى ذلك، هنالك الآلاف من الناس الذين يتلقون معلومات و تأكيدات حول الحقائق الداخلية من خلال العديد من الوسائل و من خلال العديد من الحالات المختلفة؛ كل هذا يحدث الآن، في العقود الأولى من القرن الواحد و العشرين.

يجب أن يكون واضحاً بالتالي أنه لم يعد من الضروري الاعتماد على “أنظمة العقائد” و الكتب المشكوك في أصلها.
فالحقيقة و المعرفة المطلوبتان من أجل التقدم الفردي و تقدم الإنسانية و مستقبل كوكب الأرض دائماً ما كانتا و ما تزالان متوفرتين و في متناول اليد ، بالنسبة لأولئك الباحثين عن المعرفة بصدق و عقول منفتحة. فمن يبحث لا بد أن يصل إلى ضالته المنشودة و سوف ينحّي جانباً كل المعتقدات و المبادئ و الحياة المادية الأخرى التي تحكّمت بحياته في الماضي.

و في العوالم الروحية التي هي العوالم السماوية الحقة، لا يوجد نظام اعتقاد أو دين يستطيع أن يساعد أياً كان في الوصول إلى تلك الحقائق الأخرى أو استيعابها؛ و هي بالتالي حقائق يمكن الوصول إليها و استيعابها فقط من خلال التقدم الفردي على درب الكمال.

عن harka

شاهد أيضاً

النكبة نتيجة سقوط الأندلس/ باسل الأعرج

كتب الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج “هناك متلازمة غريبة جدا يحملها الشباب العربي هذه الايام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();