الرئيسية / آراء ومقالات / الحزب والكيان الصهيوني.. مقوّمات النصر وهاجس المفاجأة 

الحزب والكيان الصهيوني.. مقوّمات النصر وهاجس المفاجأة 

محمود عبد الحكيم/ مصر 
فبراير 2018
المسافة بين “التحليق الحر” لطائرات سلاح الجو الصهيوني في سماء سوريا وجنوب لبنان، سابقا، وبين إسقاط طائرة F16 في سماء سوريا أمس، تمثّل التحول في منطق المواجهة بين محور المقاومة والطرفين الصهيوني والأمريكي؛ لطالما راكم المحور، بمختلف مكوناته، تحقيق الندّية في قواعد الاشتباك تدريجيا وبمنحنى تصاعدي، بما يحفظ موقفا دبلوماسيا “دوليا” لا يضعه في خانة الباديء بالحرب، ويتصاعد، في الوقت ذاته، خطوة بخطوة وفق اقتراب الكيان الصهيوني من الساحة المباشرة للمواجهة العسكرية، وتفاصيل الاقتراب، مع مراعاة عدة عوامل في مقدمتها التوقيت والسياق المباشر للموقف والتقدير الآني وبعيد المدى له، والموقع الروسي من الصراع. من هنا بدأ الجيش العربي السوري، منذ بضعة أعوام، عازفا عن مواجهة الاعتداءات الجوية الصهيونية مباشرة، وانتهى أمس إلى إسقاط قطعة من أقوى وأكفأ ما يملكه العدو من مقاتلات متعددة المهام، F16 الأمريكية المطوّرة، بعد أيام من إسقاطه صواريخ موجّهة أُطلقت من فوق الجنوب اللبناني.
بعد الرد الإعلامي للحزب على التهديدات الصهيونية بانتزاع النقطة الحدودية الغنيّة بالغاز الطبيعي، بلوك 9، من لبنان، وفي سياق كامل من التصريح وإعلان النوايا لدى أمين عام الحزب، بات واضحًا أن ملف الغاز الطبيعي في المنطقة، وما يتعلق منه بشرق البحر المتوسط، قد يلقي بظلاله على الطرفين المتحفّزين بما يتجاوز الاحتكاكات “التقليدية” المستمرة، والتي لم يفتح أكثرها جديّة وسخونة الباب بعد، لمواجهة كاملة بينهما.
من ناحية أخرى جاء الصعود العملي، لا الإعلامي، لمحور المقاومة في المنطقة واتّساع نفوذه (خصمًا من المحور الأمريكي السعودي) انعكاسًا لتطور مادي وتقني مركب، يشمل الكم والكيف، وليس ناتجًا مباشرًا عن إلحاقه الهزيمة بداعش فحسب، من هنا يمكن فهم حديث زعيم الحزب عن كون المواجهة المقبلة مع الكيان ستفتح الباب لـ “آلاف المقاتلين من جنسيّات عدّة”، وفق قوله، في إشارة إلى أن العدو سيجد حين المواجهة عوامل غير متوقعة لم يعرفها، ومغايرة لما قد يعرفه، بطبيعة الحال، عن إمكانات الحزب “وحده”، التي لم تُعرَف كاملة رغم اتّساع معركة سوريا.
العرض التالي لقدرات للحزب الصاروخية والبريّة يستند إلى بحث مطوّل استُصدرَت بياناته بشكل رئيسي من تقارير روسية، رصدت الهيكل التنظيمي للحزب والقوام الأساسي لقوّاته، مصنفة وفقًا للحجم والتوزيع الجغرافي، وترسانته الصاروخية المتنوّعة حجمًا ومدى، وسلاحي المدرّعات والمدفعية الثقيلة المستحدثين خلال مشاركة الحزب في الحرب السوريّة، ووحدة الدفاع الجوّي الصغيرة الناشئة، التي لم تتضح معالمها بعد، مما يدفع بتكثيف التحليق الصهيوني في الأجواء اللبنانية واستخدامها في قصف سوريا مؤخرًا، لاستنفار أي إمكانات للدفاع الجوي لدى الحزب، وبالتالي رصدها، أو تدميرها إن أمكن.
الترسانة الصاروخية والدفاع الجوّي
تشير التقارير إلى امتلاك الحزب لعدد يتراوح من 50 ألفًا إلى 120 ألف صاروخ، إجمالا شاملين المحمول كتفا، مجتمعين في منظومة متكاملة تشمل منصات إطلاق مموّهة ومخازن وآلية لحفظ وتوزيع الوقود؛ وببداية عام 2018 بات الحزب قادرًا على إطلاق 1500 صاروخ يوميًّا، يشمل مداها كامل الكيان الصهيوني، في مقابل 200 صاروخ عام 2006 الذي شهد آخر مواجهة واسعة بين الطرفين، ومن ناحية أخرى تشير تقارير إسرائيلية إلى بناء إيران لمصنع صواريخ باليستية في سوريا، بالقرب من طرطوس، يتمتع بحماية منظومتي S400 وS300 الروسيّتين للدفاع، وقادر على إنتاج صواريخ من نوع فاتح 110 الباليستيّة ذات القدرة التدميرية العالية والمدى المتوسط، التي تُعَد من أخطر الأصناف تهديدًا لأمن الكيان مع امتلاك الحزب المئات منها بالفعل.
صنف باليستي ثانٍ خطير هو سكود Dالذي يمتلك الحزب عددًا غير معلوم منه، ويبلغ وزن رأسه الحربي نحو 980 كيلو جرام، ومداه 700 كيلو متر، علمًا بأن الوزن الأكبر من 600 كيلو جرام للرأس الحربي يُعَد ذا أثر تدميري كارثي، وأن مدى الإطلاق الأطول من 500 كيلو متر يطال كافة أراضي فلسطين المحتلّة انطلاقًا من جنوب لبنان.
القوام الأساسي
– مئات من صواريخ فاتح 110 الباليستيّة، برأس حربي زِنة من 500 إلى 650 كيلو جرامًا، ومدى من 200 إلى 300 كيلو متر. – عشرات من صواريخ زلزال 1 و2 الباليستيّة، برأس حربي زِنة 600 كيلو جرام، ومدى من 200 إلى 250 كيلو مترًا. – عددغير معلوم من صواريخ ياخونت أرض – أرض، برأس حربي زِنة 250 كيلو جرامًا، ومدى من 120 إلى 300 كيلو متر. – عدد غير معلوم من صواريخ سام 6 – كفادرات للدفاع الجوي، روسيّة الصنع، ذات مدى من منخفض إلى متوسط. – عدد غير معلوم من مدافع ZSU 57-2 ذاتية الحركة المضادة للطائرات.
تكمن العقدة الدفاعية في مواجهة سلاح الصواريخ في كون نظام القبّة الحديدية الدفاعي، بعلامات الاستفهام حول اكتمال كفاءته في الأساس، يستطيع إجهاض وصول حد أقصى من عدد الصواريخ وبكثافة محددة، ويختصّ بالصنف قصير المدى منها، بما يتجاوزه العدد المتوفّر لدى الحزب وأصنافه وكثافة الإطلاق اليومية المتوقَعة ببدء الحرب، مما اضطر جيش الاحتلال إلى تطوير منظومة جديدة للتعامل مع الصواريخ متوسطة وطويلة المدى، منظومة مقلاع داوود، التي ستعمل بالتكامل مع القبّة الحديدية، مع إدراك العدو للصعوبة التقنيّة الطبيعية في منع “كل” الصواريخ من بلوغ أهدافها، وتناثُر بنك الأهداف الصهيوني وتنوّعه، مما يؤدّي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية، لن تكفي “وزارة الجبهة الداخلية”، التي استُحدثت بعد حرب 2006، لتحييدها.
مسألة استراتيجية موازية وملازمة لعقدة الصواريخ الكثيفة المتسارعة، هي خضوع دولة الاحتلال حال اندلاع الحرب لموقف دفاعي منذ اللحظة الأولى، مما يزيد عملية الردع المؤخَر أو الهجوم المضاد تعقيدًا، في ظل تواضُع المعلومات المُتاحة حول أماكن منصات إطلاق الصواريخ، والتكلفة المهلكة المتوقَعة حال اقتحام لبنان بريًّا، ولو بأكثر الأشكال احترافية باستخدام قوّات المظليين التي ستتلقّى منتصف العام الحالي تدريبًا خاصًّا بهذا الشأن، فاستخدام أكثر العناصر تميّزًا وتدريبًا خاصًّا بهذا الشأن، فاستخدام أكثر العناصر تميّزًا وتدريبًا يمثّل مغامرة في ذاته مع التكلفة الكبيرة لتسليحهم وإعدادهم، وبقاء “مستنقع الجنوب” فخًّا بريًّا لا ضمان لنصر قتالي فيه، وبقاء الثغرة الدائمة لدى جيش الاحتلال، أي استحالة تحمّل الخسائر البشرية المتوسّطة، فضلاً عن الكبيرة، في صفوفه.
من ناحية أخرى لم يعلم العدو بامتلاك الحزب لصواريخ C-802المضادة للسفن، المطوّرة عن نسخة أصلية صينية، سوى بضرب الفرقاطة “حانيت” قبالة ساحل بيروت عام 2006 خلال آخر حرب، وهي من فئة “ساعر 5″، التي عكفت مراكز الأبحاث لعقود على تطويرها وتحديث قدراتها، بما يندرج تحتها من صنوف للسفن، وصولاً لتزويدها بأجهزة استشعار فائقة، وتقنيات متطوّرة للدفاع والهجوم باستخدام الطوربيدات والصواريخ، فضلاً عن السرعة العالية، وهو ما لم يمنع المقا و. مة من استهدافها حتى قبل التعاظّم المعترَف به صهيونيًّا وأمريكيًّا للأخيرة. من هنا تحيط الشكوك بقدرة سلاح بحرية الاحتلال على تعويض قصور سلاح الطيران، الذي تحتجب عنه المقا و. مة بفعل الأنفاق، وقصور سلاحي المشاة والمدرعات وقد حققا رقمًا قياسيًّا من الهزائم أمام اللبنانيين لسنوات امتدت من 1982 حتى 2006.
القوى البرية
تشير التقارير إلى أن إجمالي مقاتلي الحزب، شاملا التعبئة العامة – الاحتياط، يبلغ نحو 65 ألف مقاتل، بينهم 21 ألف مقاتل مدرّب محترف، وخاض من 8 إلى 10 آلاف منهم الحرب السوريّة في مواجهة الإرهاب، وهي التي كفلت وفق التقارير حدوث تحوّل للعقيدة القتالية لقوات الحزب، التي كانت دفاعية تعتمد على الارتكاز والكُمون في مناطق حرشيّة وريفية – شِبه حضريّة بوحدات قتالية صغيرة تختص بتكبيد الخصم أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والمعدات، أي تعمل بشكل رئيسي على تحقيق هدف الاستنزاف والردع وليس الاقتحام وبسط السيطرة.
جاءت نقطة الانطلاق لهذا التحوّل بدخول القوات إلى مدينة القصير الحدوديّة في مايو ويونيو عام 2013، وقد سيطر عليها الإرهابيون لأكثر من عام مما أكسبها تحصينا دفاعيّا فائقا. ومع تسارع إيقاع الحرب السوريّة ذلك العام وجّه الحزب، في عجالة، من 1200 إلى 1700 مقاتل إلى القصير، تم تقسيمهم إلى 17 سريّة مقاتلة شكّلت فيما بعد من 3 إلى 5 فِرَق، كما قسّمت الخطة الهجومية المدينة إلى 16 قطاع؛ ورغم الفارق الكبير في العدد لصالح الإرهابيين سيطرت القوات على المدينة بنسبة خسائر 5:1 لصالحها، واكتسب العقل التخطيطي للحزب تجربة الهجوم بعدد قليل على عدد أكثر في مدينة محصّنة، في نمط الحرب “غير التقليديّة” أي الأقرب لحرب المدن والشوارع، كما برزت الحاجة إلى وضع تصوّر قتالي خاص للعمليات الهجومية في المدن، فقام الحزب بتعديلات جوهرية على تدريبات المقاتلين ومنهجها، وعزز إمكاناته في مجال أنظمة الاستطلاع وأضاف إلى عتاده ما فرضه المستجَد العملي من أسلحة ثقيلة، مما أدّى، بتوالي سنوات الحرب ومراحلها، إلى تشكيل وحدتي مدفعيّة ومدرعات مكتملتَين.
القوام الأساسي
ترصد التقارير تمتع الحزب في جنوب لبنان بشبكة بالغة الاتساع من الأنفاق والأقبية الحصينة، تمكّنه من نقل عدد كبير من القوات للقطاع الجغرافي المطلوب دون التعرض لرصد الطيران الصهيوني، وتقدّر التقارير مكوّنات الشبكة بنحو 950 موقعا، تشتمل على نحو 550 قبوا حصينا متعدد الأغراض و300 موقع مراقبة و100 موقع لوجيستي مختصّ بالمرافق العسكرية.
من الخط الفاصل مع فلسطين المحتلة إلى نهر الليطاني، يتمركز لواءان رئيسيّان للحزب يضمّان 7 كتائب مشاة منها 5 كتائب مشاة ميكانيكية (وفقا للتقليد العسكري يضمّ اللواء الواحد من كتيبتين إلى 5 كتائب)، ويبلغ قوام اللواءين الأساسي نحو 1700 مقاتل. أولهما لواء الجليل، وهو القوة الضاربة الرئيسية للحزب في الجنوب، والمختصّة بفتح الطريق البري إلى شمال فلسطين المحتلة حال تنفيذ الحزب وعده باقتحام الجليل، والثاني لواء النصر، الخاضع لقيادة مباشرة من حسن نصر الله، الأمين العام للحزب. وإلى الشَمال، حيث محيط شمال نهر الليطاني، يتمركز لواء بدر المُجهّز للتقدم نحو الجنوب حال نشوب المعركة، ومثله لواء حيدر المتمركز في البقاع الجنوبي؛ وتشير التقارير إلى أن كل لواء مقاتل في محيط جنوب لبنان بات مختصّا، وفق الاستراتيجية الجديدة للحزب، بالسيطرة على قطاع بعينه من شمال فلسطين المحتلة.
من ناحية أخرى، تضم القيادة المناطقيّة للحزب في البقاع، شرق لبنان، 7 كتائب مشاة منها 3 كتائب مشاة ميكانيكية تضمّ نحو 1700 مقاتل، كما ترتكز كتيبتا مشاة، منهما واحدة ميكانيكية، في جنوب بيروت حيث البيئة الحاضنة شعبيا للحزب. ويمكن القول إن ارتكاز القوات البريّة في وسط وشمال البقاع، على الحدود السورية، سيمثّل رصيدا احتياطيا فارقا حال اندلاع مواجهة بريّة في الجنوب، بعد تطهير غرب سوريا وحدوده مع لبنان من الحضور الإرهابي، والسيطرة الكاملة والمستقرّة للجيش السوري على خط حمص – ريف دمشق – دمشق، مما يتيح لتلك القوات الاندفاع نحو الجنوب بسرعة عالية وفي أي وقت، وتحت غطاء من الدفاعات الجوية السوريّة المرتكزة في دمشق وريفها إن تطلّب الأمر.
وعن المدفعيّة والمدرّعات، رصدت التقارير امتلاك الحزب لعدد من الدبابات من نوع T55وT62، ودبابات T72الأكثر تطورا وفاعليّة، إلى جانب عدد أكبر من المدرّعات من نوع Bmp1و2 وM113، وجميعها قد تستمد الفاعلية الهجومية في مواجهة الجيش الصهيوني من كفاءة قوّات الحزب في استعمال مضادات الدروع الخفيفة، وعلى رأسها الكورنت، إذ استطاعت عام 2006 تحييد فاعليّة سلاح المدرّعات الصهيوني على الأرض بشكل شِبه كامل، كما تشير التقارير إلى امتلاك الحزب لعدد غير معلوم من الراجمات المدفعية التقليدية قصيرة ومتوسطة المدى، تطلق صواريخ من نوع خيبر المطوّر عن الكاتيوشا، وتبلغ زِنة رأسه الحربي 175 ك.ج ومداه 100 ك.م، مما يوفّر تمهيدا ناريّا على قدر من الكثافة يسمح بتقدم القوات البريّة نحو المواقع المطلوب السيطرة عليها.

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();