الرئيسية / Uncategorized / الأكاذيب في الحرب العالمية الثانية.

الأكاذيب في الحرب العالمية الثانية.

پول كريگ روبرتس⎮ترجمة: سيف البصري

المصدر: مدونة البصري

لا يمكن كتابة التاريخ في أعقاب الحرب. فالجانب الخاسر لا يملك من ينطق عن لسانه، والمؤرّخون من الجانب المنتصر مقيدون بسنوات من الدعاية الحربية التي شيطنت العدو وحجبت جرائم المنتصر. وكالعادة، يريد الناس أن يستمتعوا ويشعروا بالرضا تجاه انتصارهم على “الشر”، لا أن يسمعوا عن حقيقة أن جانبهم كان مسؤولًا عن الحرب أو أنه كان من الممكن تجنّبها لولا أجنّدة زعمائهم الخفية التي حالت دون ذلك. أضف إلى ذلك، أن المؤرخين مقيّدون أيضًا بعدم توفّر المعلومات والمصادر دائمًا. فلإخفاء الأخطاء والفساد والجرائم، تقوم الحكومات بحجب المستندات لعدة عقود. مذكّرات عديدة لمن عاصر وشهد على الأحداث عن كثب تضيع أو تحجب خوفًا من الانتقام. يمكنك أن تتخيّل أن البحث عن الشهود وتحديد مكانهم يعدّ أمرًا مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً، خاصة أولئك المحسوبين على الجانب الخاسر. دون ذكر العناء والجهد لإقناعهم بالإجابة على الأسئلة الحساسة. أي قراءة تاريخية تتحدّى “القراءة السعيدة” تتطلب قدراً كبيراً من التأكيد والبراهين من الوثائق الرسمية والمقابلات والرسائل والمذكرّات، وحتى هذا لن يكون كافيًا. بالنسبة لتاريخ الحرب العالمية الثانية في أوروبا، يمكن لهذه الوثائق أن تنشر من نيوزيلندا وأستراليا عبر كندا والولايات المتحدة عبر بريطانيا العظمى وأوروبا وإلى روسيا. هنا يواجه المؤرّخ الساعي في مسار الحقيقة سنوات طويلة من التحقيق المضني وتطوير الفطنة للحكم واستيعاب الأدلّة التي اكتشفها وإعادة رسمها في صورة صادقة وأقرب ما يمكن من الوصف لما حدث فعلًا. الحقيقة دائمًا ما تكون مختلفة كثيرًا عن الدعاية التي يروّج لها المنتصر.

كما ذكرت مؤخراً، كان هاري إلمر بارنز هو أول مؤرّخ أمريكي يقدّم تاريخًا للحرب العالمية الأولى استند إلى مصادر أوّلية، فرواياته الصادقة تختلف بشكل كبير عن الدعاية الحربية للحلفاء لدرجة أنه كان يسمّي كل شخص نقل أو كتب عنه في الكتاب.

ديڤد إيرڤينگ، بلا شك أفضل مؤرّخ للجانب الأوروبي من الحرب العالمية الثانية، تعلّم وبثمن باهض أن تحدّي الخرافات لا يمر دون عواقب. ومع ذلك، ثابر إيرڤينگ في المضي قدمًا ومواجهة رأي المنتصر. إذا كنت ترغب في الهروب من الأكاذيب المتعلّقة بالحرب العالمية الثانية والتي لا تزال توجّه مسارنا الكارثي المعاصر، فأنت تحتاج فقط إلى دراسة كتابين من تأليف ديفيد إيرڤينگ “حرب هتلر” والمجلّد الأول من سيرة تشرشل الذاتية “حرب تشرشل ـ الصراع من أجل السلطة“.

إيرڤينگ هو المؤرّخ الذي قضى عقودًا من الزمن في تتبع مذكّرات الناجين والمطالبة بإصدار الوثائق الرسمية. هو المؤرّخ الذي عثر على مذكرّات روميل وگوبلز ، والمؤرّخ الذي دخل في الأرشيف السوفيتي، وهلم جرا. إيرڤينگ شخص على دراية بالحقائق الفعلية حول الحرب العالمية الثانية أكثر من بقية المؤرّخين مجتمعين. كتب المؤرّخ العسكري البريطاني الشهير السير جون كيجان في ملحق التايمز الأدبي: “كتابان يبرزان في أدب الحرب العالمية الثانية: كتاب تشيستر ويلموت “الصراع من أجل أوروبا” والذي نشر في عام 1952، وكتاب “حرب هتلر” لـ ديڤد إيرڤينگ.

وعلى الرغم من العديد من الجوائز التي نالها، فإن إيرڤينگ يعد اليوم مؤرّخ شرير ومنبوذ، ويضطر لنشر كتبه الخاصة بنفسه، بسبب رفض وخوف المطابع.

قد أتجنب ذكر لماذا ومن وراء كل ذلك، لكن نعم، تخمينك للأمر صائب: الصهاينة. بكل بساطة يستحيل قول أي شيء يغيّر صورتها الدعائية للتاريخ، الصورة المهيمنة في عقول البشر المعاصر.

في ما يلي، سأقدّم ما هو انطباعي بعد قراءة هذين العملين. إيرڤينگ نفسه نادرًا ما يستطرد في الآراء. هو يقدّم الحقائق من الوثائق الرسمية فقط، والاعتراضات المسجلّة، واليوميات، والرسائل والمقابلات.

الحرب العالمية الثانية كانت حرب تشرشل وليست حرب هتلر.  إيرڤينگ يقدّم حقائق موثّقة لا يمكن للقارئ تجنّب هذا الاستنتاج منها. فتشرشل قد حصل على حربه التي اشتاق إليها بسبب معاهدة فرساي التي جرّدت ألمانيا من الأراضي الألمانية وفرضت الإذلال بشكل غير عادل وغير مسؤول.

هتلر وألمانيا الاشتراكية القومية (يرمز مصطلح النازي [ناتسي Nazi] إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني Nationalsozialismus) هما أكثر الكيانات التي شيطنها التاريخ المعاصر. أي شخص يجد أي خير في هتلر أو ألمانيا يصبح بطبيعة الحال شيطانًا على الفور، ومن بعدها منبوذًا بغضّ النظر عن الحقائق التي قد يقدّمها. إيرڤينگ أدرك هذا جيدًا. ففي كل مرة يبدأ تقريره الواقعي عن هتلر في عرض شخص مختلف كثيرًا عن الصورة الشيطانية في عقل المتلقّي، يبادر إيرڤينگ بالتعقيب بلغة سلبية عن هتلر.

وبالمثل في ما يخص وينستون تشرشل، ففي كل مرة يعرض فيها تقريره شخصًا مختلفًا تمامًا عن الأيقونة التي يقدّسها الكثير، يبادر إيرڤينگ بلغة تقديرية في وصفه.

وهذا ما يتعين على المؤرّخ فعله للبقاء على قيد الحياة عند قول الحقيقة.

لكي أكون واضحًا، أنا فقط أعرض لك كقارئ ما يبدو لي أنه الاستنتاج الأمثل من الحقائق الموثّقة المقدّمة في هذين الكتابين. أنا أنقل ما توصّلت إليه أبحاث إيرڤينگ من نتائج. نصيحتي لك هي أن تقرأ الكتابين بنفسك وتصل إلى استنتاجك الخاص.

بدأت الحرب العالمية الثانية بإعلان الحرب البريطاني والفرنسي على ألمانيا، وليس بحرب خاطفة [حرب البرق Blitzkrieg] من جانب ألمانيا كما يروّج له. فقد كانت الهزيمة المطلقة للجيشين البريطاني والفرنسي نتيجةً لانهيار بريطانيا التي أعلنت حربًا لم تكن هي مستعدة لها، والفرنسيون من جانبهم حصروا أنفسهم كالمغفّلين بمعاهدة مع البريطانيين الذين هجروا حليفهم الفرنسي بسرعة تاركين فرنسا في رحمة ألمانيا.

كانت رحمة ألمانيا كبيرة فعلًا. فقد ترك هتلر جزءًا كبيرًا من فرنسا والمستعمرات الفرنسية آمنة من الحرب في ظل حكومة شبه مستقلة تحت حكم فيليب بيتان. حُكِم على الأخير بالإعدام من قبل شارل ديغول بعد الحرب لتعاونه مع ألمانيا، وهي تهمة غير عادلة بحق من حاول الحفاظ على نوع من الاستقلالية رغم الموقف المنهزم.

في بريطانيا، كان تشرشل خارج السلطة الفعلية في البلاد. ولذلك اعتقد أن الحرب ستعيده حتمًا إلى السلطة، خصوصًا وأنه لم يتمكن وقتها أي بريطاني من مضاهاة خطابه وبلاغته السياسية أو العزم الذي كان يشعّه في خطبه. ببساطة طمع تشرشل بالسلطة، وأراد أن يعيد تكرار المآثر العسكرية المذهلة لسلفه المتميز، الدوق مارلبورو، الذي كتب سيرة حياته تشرشل نفسه. ولعل أبرز انتصارات الدوق هي هزيمته لملك فرنسا لويس الرابع عشر، بعد سنوات من الكفاح العسكري.

على عكس الأرستقراطي البريطاني، كان هتلر رجلًا من الشعب، وقدّم نفسه كشخص جاء من أجل الشعب الألماني. كانت معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى قد قطّعت ألمانيا وأنهكتها اقتصاديًا وأهانتها دوليًا. فقد تمت مصادرة أجزاء من أراضي ألمانيا وضمّها إلى فرنسا وبلجيكا والدنمارك وبولندا وتشيكوسلوفاكيا. حينها خسرت ألمانيا ما يقارب الـ 7 ملايين ألماني إلى بولندا وتشيكوسلوفاكيا، حيث تعرض الألمان هنالك للإيذاء والتمييز، وهذه لم تكن نتيجة عادلة إطلاقًا.

كان برنامج هتلر هو إعادة أراضي ألمانيا مرة أخرى ولملمة ما تفكك جراء المعاهدة. ولقد نجح في تحقيق ذلك دون حرب حتى وصل إلى بولندا. حيث كانت مطالب هتلر نزيهة وواقعية، لكن تشرشل، الذي تموّله مجموعة فوكاس بالمال اليهودي والتي أسسها عالم الاجتماع اليهودي روبرت ك. ميرتون، مارس ضغوطًا على رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين حتى تدخّل في المفاوضات البولندية الألمانية وأصدر ضمانًا بريطانيًا للديكتاتورية العسكرية البولندية إذا رفضت بولندا التخلّي عن الأراضي الألمانية والسكان فيها.

واقعيًا لم يكن لدى البريطانيين أي وسيلة للوفاء بهذا الضمان، لكن الديكتاتورية العسكرية البولندية كانت تفتقر في نفس الوقت إلى الذكاء الكافي لإدراك ذلك. وبالتالي، رفضت الديكتاتورية البولندية طلب ألمانيا.

من هذا الخطأ الذي ارتكبه تشامبرلين والدكتاتورية البولندية الغبية، جاء اتفاق ريبنتروب / مولوتوف بأن ألمانيا والاتحاد السوفيتي سوف يقسّمان بولندا بينهما ويلتزمان الحياد في حالة تعرّض أحد الطرفين لهجوم من طرف ثالث. وعندما هاجم هتلر بولندا، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا بسبب الضمان البريطاني غير القابل للتنفيذ. لكن البريطانيين والفرنسيين كانوا حريصين على عدم إعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي وإن احتلّ النصف الشرقي من بولندا.

وهكذا كانت بريطانيا مسؤولة عن الحرب العالمية الثانية، أوّلًا بالتدخّل بغباء في المفاوضات الألمانية البولندية، والثانية بإعلان الحرب على ألمانيا.

كان تشرشل من جانبه يركّز على الحرب مع ألمانيا؛ الحرب التي كان ينويها لسنوات سابقة. لكن هتلر لم يكن يريد أي حرب مع بريطانيا أو مع فرنسا، ولم يقصد قط غزو بريطانيا. فكرة التهديد بالغزو من قبل النازيين كانت بمثابة خطّة واعدة استحضرها تشرشل لتوحيد إنجلترا خلفه. مع أن هتلر سبق وأن أعرب عن رأيه بأن الإمبراطورية البريطانية ضرورية للحفاظ على النظام في العالم، وأن الأوروبيين في غيابها سيفقدون تفوّقهم على العالم. وحتى بعد هزيمة ألمانيا للجيوش الفرنسية والبريطانية، عرض هتلر معاهدة سلام غير عادية الامتيازات إلى بريطانيا. وقال إنه لا يريد شيئًا من بريطانيا سوى عودة المستعمرات الألمانية. بل ألزم الجيش الألماني بالدفاع عن الإمبراطورية البريطانية، وقال إنه سيعيد تشكيل كل من الدولتين البولندية والتشيكية ويتركهما تحدددان مصيرهما، وأخبر مساعديه أن هزيمة الإمبراطورية البريطانية لن تجني شيئًا لألمانيا ولكن كل شيء للبلاشفة في روسيا واليابان.

ونستون تشرشل من جانبه أبقى عروض هتلر للسلام سراً قدر المستطاع ونجح في جهوده الرامية إلى عرقلة أي بوادر سلام. تشرشل أراد الحرب، وعلى ما يبدو وإلى حد كبير، لمجده الخاص.

فرانكلين روزفلت شجّع تشرشل في حربه ولكن دون تقديم أي التزام عسكري نيابة عن بريطانيا. فقد أدرك روزفلت أن الحرب ستحقق هدفه الخاص بإفلاس بريطانيا وتدمير الإمبراطورية البريطانية، وأن الدولار الأمريكي سيرث الموقف القوي أمام الجنيه البريطاني لكونه عملة الاحتياط في العالم. وبمجرّد أن حشر تشرشل بريطانيا في حرب لم تستطع كسبها بمفردها، بدأ روزفلت بتوزيع قطع من المساعدات في مقابل أسعار مرتفعة للغاية – على سبيل المثال توزيع 60 مدمرة أمريكية قديمة وغير مجدية إلى حد كبير لقواعد بحرية بريطانية في المحيط الأطلسي. شرّعت بريطانيا حينها قانون الإعارة والتأجير Lend – Lease Act وتفاقمت الأسعار حتى قامت بريطانيا اليائسة بتسليم 22.000 مليون دولار من الذهب البريطاني بالإضافة إلى 42 مليون دولار من الذهب الذي حصلت عليه بريطانيا في جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة. ثم بدأت عمليات البيع القسري للاستثمارات البريطانية الخارجية.

على سبيل المثال، شركة Viscose Company المملوكة لبريطانيا، والتي بلغت قيمتها 125 مليون دولارًا في عام 1940، لم تكن عليها ديون ولديها 40 مليون دولار من السندات الحكومية، وقد تم بيعها إلى House of Morgan مقابل 37 مليون دولارًا.

لقد كان فعلًا لا يختلف عن السرقة، حيث اضطر البريطانيون إلى بيعها بحوالي ثلثي قيمة الشركة وتسليمها إلى واشنطن مقابل ذخائر الحرب. كانت المساعدات الأمريكية أيضًا مشروطة بتفكيك بريطانيا لنظام التفضيل الإمبراطوري المرتكز في اتفاقية أوتاوا لعام 1932. بالنسبة إلى كورديل هال، وزير الخارجية الأمريكي بين 1933 ـ 1944، كانت المساعدات الأمريكية “سكّينا لفتح ذلك المحّار، الإمبراطورية”.

أدرك تشرشل هذا الثمن إلا أنه كان غارقًا في الحرب بشكل جعله يضطر قبول التماس مع روزفلت والخضوع لمطالبه: وكتب حينها لروزفلت أنه “من الخطأ إذا تم تجريد بريطانيا العظمى من جميع الممتلكات القابلة للبيع، بحيث، بعد الانتصار بالدم وإنقاذ الحضارة، نقف مكتوفي الأيدي ومجرّدين من كل شيء”.

يمكن كتابة مقال طويل حول كيف أن روزفلت قد جرّد بريطانيا من أصولها وقوتها العالمية. يكتب إيرڤينگ أنه في عصر رجال عصابات الدولة، لم يكن تشرشل في مكانة تنافس روزفلت أصلًا. حتى أن بقاء الإمبراطورية البريطانية لم يكن من أولويات روزفلت. فقد اعتبر تشرشل بمثابة مهمّة سهلة – لا يمكن الاعتماد عليها في معظم الأوقات. يكمل إيرڤينگ أن سياسة روزفلت كانت داعمة لتشرشل بشكل أشبه بـ “نوع الدعم الذي يقدّمه الحبل لرجل على وشك شنق نفسه”. تابع روزفلت تخريبه للإمبراطورية طوال الحرب. وفي النهاية أدرك تشرشل أن واشنطن كانت في حالة حرب مع بريطانيا أكثر شراسة من تلك مع هتلر. المفارقة العظيمة هي أن هتلر قد عرض على تشرشل السلام وبقاء الإمبراطورية في أكثر من مرة. وعندما فات الأوان، توصّل تشرشل إلى نفس استنتاج هتلر بأن الصراع مع ألمانيا كان حربًا “غير ضرورية”.

هتلر نهى في الواقع عن قصف المناطق المدنية بالمدن البريطانية. لقد كان تشرشل هو من بدأ جريمة الحرب هذه، والتي احتذى بها الأمريكيون لاحقًا. بل تفادى وأخفى تشرشل حقيقة القصف البريطاني للمدنيين الألمان وأبقاه سرًّا عن الشعب البريطاني وعمل على منع الصليب الأحمر من مراقبة الغارات الجوية حتى لا يعلم أحد أنه يقصف المناطق السكنية المدنية. كان الغرض من تفجير تشرشل – أول قنابل حارقة لإشعال كل شيء ثم المتفجّرات الشديدة ومنع رجال الإطفاء من السيطرة على الحرائق – هو استفزاز هجوم ألماني على لندن، والذي اعتقد تشرشل آنذاك أنه سيربط الشعب البريطاني به ويجذب التعاطف في الولايات المتحدة مع لبريطانيا بشكل كافي لجر أمريكا إلى الحرب. قتلت غارة بريطانية من سلاح الجو 50 ألف من المدنيين في مدينة هامبورغ وحدها، وحصد هجوم لاحق 40 ألف قتيل مدني آخر. كما أمر تشرشل باستخدام الغاز السام وقصف المناطق السكنية المدنية الألمانية بالقنابل النارية وحتى تحويل روما إلى رماد. لكن سلاح الجو البريطاني رفض كلا الأمرين. في نهاية الحرب، دمّر البريطانيون والأمريكيون مدينة دريسدن الجميلة الباروكية، وقاموا بحرق وخنق 100.000 من سكّانها في الهجوم على المدينة. وبعد أشهر من الهجمات بالقنابل الحارقة على ألمانيا، بما في ذلك برلين، استسلم هتلر لجنرالاته وأجاب بالمثل. وبالتالي نجح تشرشل من كسب غايته وأصبح الجلّاد هو الضحية.

كما هو حال هتلر في ألمانيا، تولّى تشرشل زمام أمور الحرب بشكل مباشر وعمل كدكتاتور تجاهل القوّات المسلحة رغم كونه رئيس وزراء تنصحه القادة العسكر في البلاد وليس العكس. ربما كان كلا الزعيمين محقّين في تقييمهما للقادة العسكريين، لكن هتلر كان استراتيجي حرب أفضل بكثير من تشرشل الذي لم ينجح في أي شيء على الإطلاق [تذكّر أن من أوقف ألمانيا هو التحالف ضدها]. في مغامرة تشرشل WW I Gallipoli أبان الحرب العالمية الأولى [٦٠ ألف قتيل و٢٠٠,٠٠٠ جريح بسبب قرارات تشرتشل العسكرية الخاطئة]، زجّ بإلقوّات البريطانية إلى كارثة تضاف إلى قرارات خاطئة أخرى تكررت في النرويج واليونان وكريتا وسوريا و داكار. حتى حلفاؤه الفرنسيين لم يسلموا منه، حيث دفعه الخوف المفرط، والذي لا توجد إلى اليوم أدلّة عسكرية تبرره، إلى تدمير أسطول فرنسي في معركة المرسى الكبير والتضحية بحياة 1600 بحّار فرنسي بين قتيل وجريح خوفًا من أن هتلر قد ينتهك معاهدته مع الفرنسيين ويستولي على الأسطول. كل خطأ فادح من هذه كان يمكن أن يؤدّي إلى تصويت بحجب الثقة عنه، ولكن مع تشامبرلين وهاليفاكس لم تكن هناك قيادة بديلة. في الواقع، الافتقار إلى القيادة هو السبب في عدم قدرة الحكومة أو الجيش على مواجهة قائد ذو تصميم حديدي كتشرشل آنذاك.

هتلر هو الآخر كان شخصًا ذو تصميم صلد، وهذا ما قاده وألمانيا إلى الهزيمة. هو لم يكن يريد الحرب مع إنجلترا وفرنسا، بل تشرشل هو من أراد هذه الحرب. ومثل تشرشل الذي كان وراءه الشعب البريطاني، كان وراء هتلر الشعب الألماني أيضًا في هذه الحرب، لأنه أعاد بناء ألمانيا واسترد مكانتها بعد الاغتصاب والخراب بسبب معاهدة فرساي.

لكن هتلر ليس أرستقراطيًا مثل تشرشل، بل ذو أصول بسيطة وعادية، لم يكن له ولاء العديد من الضبّاط العسكريين البروسيين، الذين ميّزتهم من الـ “فون von” [بن، بن آل..] التي تسبق أسمائهم. لقد كان محاطًا بالخونة في محاور الدفاع، مخابراته العسكرية، بما في ذلك مديرها الأدميرال ڤيلهلم كاناريس. على الجبهة الروسية في العام الأخير من الحرب، تعرّض هتلر للخيانة من قبل بعض الجنرالات الذين فتحوا سبلاً للروس للتوغّل نحو برلين.

كانت أسوأ أخطاء هتلر هي تحالفه مع إيطاليا وقراره بغزو روسيا. لقد كان مخطئًا أيضًا في السماح للبريطانيين بالذهاب إلى دونكيرك. حيث سمح لهم بالرحيل لأنه لم يرغب بالتفريط بفرصة إنهاء الحرب عن طريق إذلال البريطانيين بفقدان جيشهم بأكمله. لكن مع تشرشل لم تكن هناك فرصة للسلام. فمن خلال عدم تدمير الجيش البريطاني، عزز هتلر موقف تشرشل الشعبي والذي حوّل عمليات الإخلاء من فرنسا إلى سواحل إنجلترا إلى بطولات بريطانية قوّت من استعدادهم للقتال.

من غير الواضح لماذا غزا هتلر روسيا. أحد الأسباب المحتملة هو المعلومات الرديئة أو الخادعة المتعمّدة من جنرالات الدفاع الخائنة حول القدرة العسكرية الروسية. قال هتلر في وقت لاحق لمعاونيه إنه لم يكن ليغزو روسيا أبدًا لو كان قد علم بالحجم الهائل للجيش الروسي والقدرة الاستثنائية للسوفييت على إنتاج الدبابات والطائرات. استنتج بعض المؤرّخين أن السبب وراء غزو هتلر لروسيا هو أنه أدرك أن البريطانيين لن يوافقوا على إنهاء الحرب لأنهم توقّعوا أن تدخل روسيا الحرب إلى جانب بريطانيا. وعليه، قرر هتلر قهر هذا الاحتمال عن طريق قهر روسيا.

كتب مؤرّخ روسي أن هتلر هاجم من جبهة الشرق لأن ستالين نفسه كان يستعد لمهاجمة ألمانيا. كانت لدى ستالين قوى كبيرة، ومن المنطقي أن ينتظر ستالين حتى يلتهم الغرب نفسه في سفك الدماء المتبادل، ويتدخّل بعد ذلك ويسيطر على الموقف بقوّة. أو ربما كان ستالين في موقع يمكّنه من احتلال جزء من أوروبا الشرقية كي يوسّع المساحة الجغرافية العازلة بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا.

مهما كان سبب الغزو، فإن ما هزم هتلر هو في الواقع أوّل شتاء روسي طويل منذ 30 عامًا. لقد أجهض كل شيء قبل أن يكتمل التطويق الألماني الذي خطط له. وبالتالي أعطى فصل الشتاء القاسي والذي جمّد زحف وحراك الألمان المزيد من الوقت لستالين للتعافي.

بسبب تحالف هتلر مع موسوليني، والذي كان يفتقر إلى قوة قتالية فعّالة ، تم استنزاف الموارد اللازمة على الجبهة الروسية من أجل إنقاذ إيطاليا. وبسبب سوء قيادة موسوليني، اضطر هتلر إلى سحب الكثير من القوّات والدبابات والطائرات من جبهة روسيا لإنقاذ إيطاليا في اليونان وشمال إفريقيا واحتلال جزيرة كريت. لقد ارتكب هتلر هذا الخطأ بسبب ولائه لموسوليني. في وقت لاحق من الحرب، عندما كانت الهجمات الروسية المضادة تدفع الألمان خارج روسيا، كان على هتلر تحويل الموارد العسكرية الثمينة لإنقاذ موسوليني من الاعتقال واحتلال إيطاليا لمنع استسلامها. ألمانيا افتقرت ببساطة إلى القوى البشرية والموارد العسكرية للقتال على جبهة تبلغ مساحتها ألف ميل [1600 كم] مع روسيا، وكذلك في اليونان وشمال إفريقيا، وهي مازالت تحتل جزءًا من فرنسا، وتقاتل في جبهة الغزو الأمريكي/البريطاني للنورماندي وإيطاليا.

كان الجيش الألماني قوة عسكرية قتالية مدهشة آنذاك، لكنه كان غارقًا في العديد من الجبهات، ومعدّاته قليلة جدًا. لم يدرك الألمان أبدًا، على الرغم من الأدلةّ الكثيرة، أن البريطانيين تمكّنوا من فك تشفير اتصالاتهم. وبالتالي، تم منع الجهود المبذولة لتزويد رومل في شمال أفريقيا بالدعم من قبل البحرية البريطانية.

إيرڤنگ لا يتناول في كتابيه المحرقة بشكل مباشر. هو يوثّق مذبحة العديد من اليهود، لكن الصورة التي تنبثق من الأدلة الواقعية هي أن محرقة اليهود كانت مختلفة تمامًا عن القصة الصهيونية الرسمية.

لم يتم العثور على أي خطط ألمانية أو أوامر من هتلر أو من هيملر أو أي شخص آخر بالمباشرة بعمليات حرق منظّمة عن طريق الغاز وحرق اليهود جميعًا. مثل هكذا قرار غير عادي يتطلّب الاستخدام المكثّف للموارد والنقل ويتطلّب تنظيمًا ضخمًا وميزانيات وموارد كبيرة. ما تظهره الوثائق هو خطة هتلر لنقل اليهود الأوروبيين إلى مدغشقر بعد نهاية الحرب. لكن مع النجاح المبكّر للغزو الروسي، تم تغيير هذه الخطة إلى إرسال اليهود الأوروبيين إلى جانب اليهود البلاشفة في الجزء الشرقي من روسيا والذي كان هتلر سيغادره بكل الأحوال. قال هتلر مرارًا وتكرارًا أن “المشكلة اليهودية” سيتم تسويتها بعد الحرب.

يبدو أن معظم مذابح اليهود ارتكبها المسؤولون السياسيون الألمان في الأراضي المحتلة في الشرق، وهم اليهود الذين تم إرسالهم من ألمانيا وفرنسا إلى مكان آخر. لكن بدلاً من التعامل معهم بجهد، اصطفّهم بعض المسؤولين العسكريين من وحدات الـ SS وأطلقوا عليهم النار في خنادق مفتوحة. وقع اليهود الآخرون ضحية غضب القرويين الروس الذين عانوا لفترة طويلة في عهد المسؤولين البلشفيين اليهود.

“معسكرات الموت” كانت في الواقع معسكرات عمل. معسكر أوسشڤيتس، على سبيل المثال ـ اليوم متحف الهولوكوست ـ كان مصنعًا مهمًا للمطاط الصناعي في ألمانيا. وألمانيا كانت يائسة بسبب قلة وجود أيدي عاملة. فأغلب القوى العاملة انخرطت بأعداد كبيرة في الجيش لسد الثغرات الموجودة في الخطوط الألمانية على الجبهة الروسية. كانت مواقع الإنتاج الحربي، مثل أوسشڤيتس، بمثابة قوة عاملة  اجبرت على العمل. احتاجت ألمانيا بشدّة إلى أي يد عاملة يمكن الحصول عليها.

كما كان في كل معسكر محارق. لم يكن الغرض منها إبادة السكان بل التخلّص من الوفيات الناجمة عن آفة التيفوس والوفيات الطبيعية وغيرها من الأمراض. كان اللاجئون والمعتقلون هنالك من كل مكان، وأحضروا معهم بطبيعة الحال الأمراض والجراثيم. إن الصور المروعة لأتلال الجثث الشبيهة بالهيكل العظمي التي قيل أنها دليل على الإبادة المنظّمة لليهود هي في الواقع نزلاء المعسكر والمعتقلين الذين ماتوا من التيفوس والمجاعة في الأيام الأخيرة من الحرب عندما كانت ألمانيا غير منظّمة وخالية من الأدوية والمواد الغذائية في معسكرات العمل. لقد قصف المنتصرون الغربيون النبيلون أنفسهم معسكرات العمل وساهموا في مقتل السجناء، لكن لا أحد يتكلّم عن هذه الوقائع.

بلغ مجموع الكتابين اللذين أنقل عنهما هنا 1663 صفحة، وهناك مجلّدان آخران عن سيرة تشرشل. ويبدو أن هذه المعلومات التاريخية الهائلة والموثّقة من المحتمل أن يكون مصيرها النسيان والضياع، لأنها لا تتسق مع الموقف الغربي الذي يدّعي امتلاكه للحقيقة التاريخية ولا مع موقف أغلب المؤرّخين المتسيّسين في هذه الحقبة. الحقائق باهظة الثمن للغاية. لكن المثير للانتباه أن بعض المؤرخين قد بدأوا بإضافة الكثير من المعلومات التي كشفها إيرڤينگ إلى تقاريرهم الخاصة.

يتطلب الأمر مؤرّخًا شجاعًا ليمتدحه، لكن بدلاً من ذلك، يقتصر أغلبهم على الاستشهاد به أو سرقة مصادره.

إنه لأمر مدهش أن تعي مقدار القوة التي حصلت عليها الحركة الصهيونية من المحرقة. الأستاذ الجامعي الأمريكي اليهودي والمتخصص في العلوم السياسية نورمان فينكلشتاين يسمّيها “صناعة المحرقة”. هناك أدلة كثيرة على أن اليهود مع آخرين كثيرين عانوا، لكن الصهاينة يصرّون على أنها كانت تجربة فريدة تقتصر على اليهود فقط.

في مقدّمة كتابه “حرب هتلر”، يذكر إيرڤينگ أنه على الرغم من المبيعات الواسعة لكتابه، والثناء من المؤرخين البارزين وحقيقة أن الكتاب كان مطلوبًا ومرغوبًا للقراءة في الأكاديميات العسكرية من ساندهيرست إلى ويست بوينت، “إلا أن البلطجية قد حطّموا منزلي في أكثر من فرصة، أرعبوا عائلتي، شوّهوا اسمي، هاجموا المطبعة التي نشرت كتبي، وألقي القبض علي ونفيت من النمسا الديمقراطية الصغيرة، حيث أن إنكار الهولوكوست يعتبر جريمة هنالك [حتى في المانيا اليوم]، وقضت محاكمهم بمعاقبة “المذنبين” بناءً على طلب الأكاديميين الساخطين والمواطنين المؤثّرين [الصهاينة]. في السنوات اللاحقة، تم ترحيلي من كندا (في عام 1992)، ورفضت من الدخول إلى أستراليا ونيوزيلندا وإيطاليا وجنوب إفريقيا ودول “حضارية” أخرى حول العالم. قامت مجموعات تابعة على المستوى الدولي بتوزيع الرسائل على المكتبيين والمطابع، مطالبة بإخراج هذا الكتاب من أرففهم.”

قليل يذكر عن “الفكر الحر والحقيقة” في العالم الغربي. حريّة التعبير وأهمية الحقيقة في الغرب لا تحظى بقيمة كما يعتقد البعض. في الغرب يتم التحّكم في التفسيرات من أجل دفع أجنّدة ومصالح المجموعات الحاكمة. وكما تعلّم ديڤيد إيرڤينگ، سيلاقي الويل كل من يعيق ذلك.

عن harka

شاهد أيضاً

حزب الحركة القومية يعقد مؤتمره العام السادس.

عقد حزب الحركة القومية مؤتمره العام السادس في مقر الحزب الرئيسي يوم السبت الموافق 3/6/2023. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();