الرئيسية / آراء ومقالات / أدب وفكر / وهم النضال والاختراق الناعم: ورقة بحثية في دور مؤسسة RAND في الأردن كنموذج)

وهم النضال والاختراق الناعم: ورقة بحثية في دور مؤسسة RAND في الأردن كنموذج)

المصدر: موقع ميسلون.

مشهور سندس(الأردن)

الشباب الذي  يحمل لافتة تقول (حرية، عدالة اجتماعية، ديموقراطية) أو غيرها من الشعارات التي استبدلت بخيار التحرر الوطني أو العربي، ربما التبس عليه مفهوم التحرر الوطني ليختزله بحرية الرأي أو التعبير، وفق معايير عملت على ترسيخها مؤسسات دولية ترعى مشاريع محلية متعددة العناوين، مثل “تمكين الشباب” أو “الشباب والمشاركة السياسية ” وغيرها من العناوين التي لقيت صدى واستجابة من قبل قطاعات واسعة من الشباب، من الجنسين. وقد يكون الشاب منتسبًا لحزب سياسي مؤدلج بالعنوان وخالٍ من أي مشروع يحصن به منتسبيه، وقد يرى الشاب بنفسه ذاتًا مستقلة أكبر من أن تؤطر بإطار حزبي، يقوده من اختبروا الفعل النضالي التحرري وأسهموا بإرساء قواعد مشروع تحرري شهدته فترة ازدهار لحركات التحرر العربية والعالمية.

ذهب الشاب إلى العمل مع مؤسسات عززت عنده الفردانية واستبدلت بمفهوم مدارس الكوادر الحزبية، والخلايا والحلقات والقنوات، ورشة أو سيمينار التحق به أو أُلحق به. ويهتف “الشباب لن يكل همّه ان يستقل”،كما ويرى ذات الشاب أن ترديده لعبارة الاستقلال لا يتنافى مع العمل مع مؤسسة يعلم أنها تتلقى تمويلًا أجنبيًا، وتنفذ مشاريعًا تحركها وتشرف عليها مؤسسات ومعاهد ومراكز تصب بالنهاية في خدمة القوة الناهبة الأبرز في عصرنا الحالي “الولايات المتحدة الامريكية “، ومؤسسات غربية أخرى منها الألمانية والهولندية والدنماركية كل باسم دولته، أو الشكل الجديد الذي يحمل اسم “الاتحاد الأروبي” .

وهناك شواهد عديدة في أكثر من قطر عربي شهد أحداثًا ترافقت مع ما سمي بالربيع العربي، وليست بخافية على أحد سوى من لا يريد أن يرى الحقيقة مجرّدة، من تونس إلى مصر وليبيا والأردن وفلسطين والعراق، وأخذ هذا الخرق اشكالًا متعددة منها دعم لمنصات إعلامية شبابية، المرئي منها والمسموع، حتى وصل قطاع كبير من الشباب إلى مرحلة التصالح مع التمويل الأجنبي. ويعزى ذلك لانتشار المؤسسات والمنظمات الأجنبية التي تعمل تحت أكثر من عنوان، وانتشار المؤسسات الوكيلة للأجنبي (NGOs) من مراكز دراسات إلى تمكين وتشجيع العمل تحت عنوان دعم المبادرات.

 مؤسسة راند نموذجًا                                                                                                   

“عملت الأبحاث التي أجريناها على الشباب الأردني والتي أجريت بالتعاون مع شركة بحث مسحي أردنية، على إطلاع قادة السياسات على القيود التي تواجه التعليم والتوظيف والتي تحول دون نجاح العاملين الشباب – وخاصة النساء- في سوق العمل” .(1) https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR500/RR556/RAND_RR556z1.arabic.pdf

نشر هذا البحث في العام 2014، بعد مضي قرابة الأربع سنوات على ما شهدته بعض الدول العربية من أحداث سميت من قبل راند ” ربيع عربي ” حالها حال غيرها من مؤسسات البحث الأمريكية من معاهد ومراكز ومؤسسات ووقفيات .

جاء الفصل الأول منه بمقدمة تتناول معدلات البطالة المرتفعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعد ذلك بحسب من أشرفوا على تأليفها سببًا من أسباب المشكلات الأساسية التي أطلقت “الربيع العربي”، بل وعدّ “الربيع العربي” كثورات سياسية واجتماعية واقتصادية. ترى راند في بحثها المعنون بـ “راند والشباب”  أن أزمة البطالة تزيد من حدّة الربيع العربي وتطيل مدته، بالإضافة إلى الفجوة بين ما يتوقعه الشباب بالحصول على وظيفة حكومية مرتفعة الأجر ومحدودية هذه الوظائف، وتربط ذلك بالأنظمة التعليمية التي ترى فيها عدم المقدرة على تقديم مستويات مناسبة من المهارات، وبذلك يتبدّى التدخل بالبرامج التعليمية وسياساتها، هذا أولًا.

ثانيًا، تخلص المقدمة إلى أن الإقصاء الاجتماعي والإقصاء الاقتصادي سبب مباشر لعدم ثقة الشباب بالمؤسسات الاجتماعية المدنية والحكومية، وبالتالي الميل للعنف والتطرف الديني، وتعاطي المخدرات، وهنا يكون الباب قد شرع لدعم ورعاية مبادرات شبابية، تحت عنوان المشاركة السياسية والتمكين والتنوع ومكافحة التطرف وغيرها من العناوين التي تفسح المجال لتوزيع منح المؤسسات الغربية تحتها، مقابل إبقاء مجتمع الشباب منغمسًا بالبحث والتشخيص للنتائج، وإبعاد قطاع الشباب بعيدًا عن  أسباب مشكلاته الأكبر وهي تغييب مشروع التحرر الوطني، فيكون ميدانه ما تريده المؤسسات المانحة.

أما الأهداف من هذه الدراسة بحسب الوثيقة فهي:

أولًا- دراسة تصورات الشباب الأردني فيما يخصّ المشكلات المتعلقة بالتحوّل للقيام بدور البالغين.

ثانيًا – دراسة طموحات الشباب حيال العمل والأسرة كمقوم أساسي لهذا التحوّل.

ثالثًا – ارتباط النجاح بالأهداف بفرص العمل المتاحة.

رابعًا – دراسة تصورات الشباب حيال عدالة سوق العمل.

خامسًا – دراسة التوجهات نحو المشاركة السياسية والمدنية، بما في ذلك شرعية الحكومات والمؤسسات الأخرى.

وجاء الفصل الثاني تحت عنوان الظروف الاقتصادية التوظيف. ويركز الباب الأول منه على العمل والاقتصاد، وفيه لمحة عن عدد السكان المعتمد من قبل  راند والبالغ 6.3 مليون نسمة، والحديث عن محدودية موارده الطبيعية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الموارد الطبيعية كالفوسفات والبوتاس واللتان كانتا جزءًا من العائد الوطني على الخزينة قد تم بيعهما إثر ما أشادت به وثيقة راند ووصفته بالإصلاحات الاقتصادية التحررية (الخصخصة) والتي بدأت عام 1989 وتواصلت حتى عام 1999، ناهيك عن قطاع خدمي مهم لم تتطرق له وهو قطاع الاتصالات، كما لا يجوز أن يتم إنكار الثروات المحتجزة والتي كان الحديث بها محرمًا إلى ما بعد توقيع اتفاقية وادي عربة ومنها الصخر الزيتي وبعض الآبار النفطية التي طمرت. إضافة الى بيع مطار الملكة علياء الدولي، الميناء الجوي الوحيد في البلاد، وأخيراً بيع الميناء البحري الوحيد. وتعود وثيقة راند لتقول وتردد ذات النغمة التي يحفظها كل مواطن على اختلاف تحصيله الأكاديمي وهي محدودية الموارد واعتماد الاقتصاد الأردني على المساعدات الخارجية، والتي من شأنها رهن القرار السياسي الأردني لاشتراطات الداعمين، بل وتحديد تحالفاته بناء عليها عربيًا ودوليًا.

وبتقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية جاء تحت عنوان “برامج صندوق النقد الدولي مع الاردن من العام 2016-1986  النتائج والدروس المستفادة”  والذي نشر في شهر نوفمبر عام 2017  جاء فيه ” ومن الجدير بالذكر أن الاقتصاد الأردني تأثر، ومنذ الأزمة الاقتصادية في أواسط الثمانينيات بالظروف الاقتصادية والسياسية والإقليمية، ففي الفترة التي تم البدء فيها بتنفيذ برنامج الصندوق العام 1989،اندلعت حرب الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت والتي أدت الى عودة أكثر من ربع مليون أردني من الخليج بعامة والكويت بخاصة، ما كان له أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي في الأردن، نتيجة استثمارات العائدين من الكويت”، إذاً فالإصلاحات الاقتصادية السالفة الذكر كانت ضمن برنامج صندوق النقد واشتراطاته على الأردن مما انعكس سلبًا على الوضع الإقتصادي والسياسي حتى يومنا هذا .

وتعود راند للحديث بذات الفصل عمّا شهده الأردن من نمو ونجاح من 2000-2011 وتراجع هذا النمو متأثراً بالربيع العربي، غير أن تقرير مركز الدراسات سالف الذكر يشير إلى ذات المعلومات، وهذا سبب  لجعل المركز شريكاً لراند بإعداد ورقة الشباب. كما أنه يشير إلى أن الأردن كان قد خرج عام 2004 من برامج صندوق النقد الدولي مما أدى إلى تحسن ملحوظ في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، إذ نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) مدفوعًا بزيادة الطلب العالمي  على السلع والخدمات الأردنية واسترداد الثقة في  الدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأمريكي في منتصف التسعينيات. (2)

https://www.researchgate.net/publication/331546189_bramj_sndwq_alnqd_aldwly_alardn_1989-2016_alntayj_waldrws_almstfadt

هنا يتوضح للمتابع والمهتم اللغة المشتركة بين مركز الدراسات وووثيقة راند، مما يبرز شكل العلاقة بين مؤسسة وطنية ومؤسسة أمريكية، مع اختلاف صيغة نشر كل منهم لمعلومته، ودور مركز الدراسات الفاعل في تزويد راند بالمعلومات .

ومما جاء بذات الفصل من عوامل النمو الاقتصادي بالوثيقة توقيع اتفاقية كويز مع الجانب الصهيوني عام 1998 (المناطق الصناعية المؤهلة) غير أن هذه الاتفاقية لم تشكل للمواطن الأردني أي منفعة تذكر إذ أن الأيدي العاملة  بها توصف بالرخيصة مقارنة بالأيدي العاملة “الإسرائيلية” وانعكست بدورها على توجه الكثير من الشباب الذين كانوا يعملون بالقطاع الزراعي لتركه والتوجه إلى العمل في المنطقة المؤهلة وهذا ما لم تذكره مؤسسة بحجم وخطورة راند تسعى إلى خلق مناخ قابل لتقبل الكيان الصهيوني والتعايش معه بل وتأمين أمنه الاقتصادي.

ومن الاتفاقيات التي تشيد بها راند وعدّتها عاملًا من عوامل النمو الاقتصادي الأردني (اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الامريكية. وقد أعدّت غرفة تجارة الأردن دراسة عام 2006 تظهر آثارها السلبية  ومنها أن الاتفاقية  لم تأخذ في عين الاعتبار حين أقرّت بنودها ظروف الأردن التصنيعية المتواضعة، أو الحاجة الحقيقية للسوق الأمريكي من السلع والخدمات ومدى قدرة الأردن على تصنيعها وتوفيرها، وهي غير مبنية على استراتيجية واضحة (من قبل الجانب الأردني) ولا تقدم قراءة حقيقية لمصلحة الأردن الاقتصادية،  وأن الأردن والولايات المتحدة ليستا دولتين متجاورتين جغرافيًا، وهناك اختلافات جوهرية عديدة في أذواق المستهلكين والنمط المعيشي للسكان، وضعف القدرة التسويقية التي يفتقر اليها التجار المحليين لتسويق منتجاتهم لدى السوق الامريكي(3).

http://www.ammanchamber.org/UploadedFiles/file21.pdf

أما في بند آخر جاء قبل الحديث عن الاقتصاد والاتفاقيات، فقد تم التطرّق إلى وصف ظروف العمل والاقتصاد  والحديث عن اللاجئين الذين شهد الأردن موجات متعددة منهم منذ عام 48، حيث تعزي راند سبب اللجوء الفلسطيني الى الأردن هرباً من الصراع العربي الاسرائيلي، أي أنها ترى بتحميل المسؤولية لما لحق بالشعب الفلسطيني لطرفي الصراع لا للعصابات الصهيونية التي نكلت وهجرت الشعب العربي الفلسطيني، وهي بذلك تنفيه كطرف في الصراع.

ثم الحديث عن اللجوء العراقي والذي نجم أيضا نتيجة للاحتلال الأمريكي للعراق 2003، نهاية بمسألة اللاجئين السوريين الذين قدرت راند عددهم بالأردن بنصف مليون، دون أن تغفل أنها ولغاية إعداد الوثيقة لم يكونوا يشكلون أثراً على سوق العمل! هنا تجدر الإشارة إلى دور راند بمشكلة اللاجئين السوريين، ودورها في الحرب على سوريا في مبحث لاحق بما في ذلك أبحاثها التي تضع حلولًا لتشغيل اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان.

وتحت عنوان فرعي في الفصل الثاني جاء بعنوان (نتائج مجموعات التركيز واللقاءات الشخصية: تصورات الشباب بشان فرص التوظيف المتاحة) جاء بها :

“إن القطاع الخاص من محركات الاقتصاد ورافد من روافده ويلقى اهتمامًا بالغًا من قبل الحكومة، وهي ما  أسمته سياسة الحكومة العامة ذات التوجه السوقي، مع تمييز في الوظيفة ما بين الأردنيين الأصليين (سكان الضفة الشرقية) والأردنيين من أصول فلسطينية. وتوضح ذلك بأن خريجي الثانوية العامة أو الجامعيين ولا سيما لو كانوا من الأردنيين الأصليين يتمتعون بفرصة عمل مضمونة تقريبًا داخل القطاع العام.” (4)

وبما أن معدو هذه الوثيقة والعاملون عليها من فئات مختلفة، فمن الطبيعي أن يكونوا قد توصلوا إلى النتيجة السابقة حول أصول الشباب، والتمييز بينهم، ووفق خبير محلي عُد مرجعاً لفريق البحث اعتبر أن هذا التمايز  سينتهي  عبر كلمة السر “العقد الاجتماعي الجديد”.

عقد اجتماعي مغاير للمفهوم السائد

لماذا العقد الاجتماعي والحديث عنه الآن؟ ولماذا جاءت وثيقة راند في هذا الوقت بالذات؟ علماً أن ما أوردته من نتائج، والمجهود الذي قامت به بمعيّة وكلائها المحليين لم يحمل جديد من المعلومات،  فالحصول على هذه المعلومات الإحصائية ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج لكل هذه المجموعات الشبابية التي تمّ تقسيمها بحسب السن والتحصيل العلمي ومكان السكن وغيرها مع التركيز على أن الشباب عنوان للمشروع القادم للأردن، وهنا تبرز جذور  البراغماتية الأمريكية، ونراها تتجدد من خلال طريقة عمل المؤسسات البحثية وبنوك الأفكار مثل راند، ويتبدى كذلك أثر الفيلسوف الامريكي (جون دويوي) وأتباع منهجه ومنهج تلاميذه من خلال أهم الخطوات التي تقوم عليها مشاريع  بنوك الأفكار أو الدبابات الفكرية الأمريكية وهي (وجود الغرض، رسم الخطة، تنفيذ الخطة، تقويم الخطة). إذا فالغرض سياسي بحت تبنته حكومة الرزاز حيث جاء ببيانه الوزاري الذي ألقاه بمجلس الأمة الأردني “وجهنا ثانياً الى ترسيخ عقد اجتماعي جديد، واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات، يرسم شكل العلاقة بين المواطن وحكومته، يستند الى الدستور، ويعزز دور المواطن في تنمية مستدامة “(5). http://www.pm.gov.jo/content/1402813267/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D9%8A.html

وعند الرجوع إلى وثيقة راند نجد أن الرزاز كان من الشخصيات التي وجه لها الشكر حيث كان في حينها موظفاً بصندوق الملك عبدالله للتميز، وهو الموظف السابق في البنك الدولي الذي استندت راند ومؤلفو وثيقتها إلى تقاريره وتوصياته، لصبغ المهمة بالجدية في العمل على تشريح حال الشباب الأردني وإيجاد حلول له.

واعتمدت الوثيقة التوصيف على حساب تقديم  توصيات ومقترحات للحلول، إلا إذا اعتبرت تمهيداً لسلسة من الخطوات التي انتهجتها الحكومات الأردنية بعدها، وكان أولى ثمارها ترؤس الرزاز للحكومة حيث جاء بخطابه سالف الذكر ” إن مشروع النهضة الوطنية الشاملة إذاً ، هو الغاية التي تتماهى مع الطموح، والعقد الاجتماعي هو النهج والوسيلة التي ستوصلنا إلى النهضة الوطنية الشاملة، فالمواطنة تبنى على الحقوق والواجبات” وتنتهي ذات الفقرة من البيان الوزاري وهدف الحكومات اليوم هو تحقيق النهضة الشاملة بالاشتراك مع مجلس الأمة، ومؤسسات المجتمع والقطاع الخاص، فمن واجبها تقديم خدمات تعليم وتدريب وتأهيل تساعد جيل الشباب أن يكونوا مواطنين منتجين”(6) . http://www.pm.gov.jo/content/1402813267/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D9%8A.html

إذاً، هو مشروع أمريكي يكرس تبعية النهج الحكومي القائم لما يمليه المتبوع على التابع، وبذهنية جون ديوي وجد الغرض ورسمت الخطة، أي أن تقسيم العمل وشكله ومن شاركوا به من المجموعات الكيفية والوصفية كانوا جزءًا من تنفيذ الرسم، ولكن الشباب كانوا أدوات بسيطة لغاية أكبر، وهذا ما يتبين من خلال الهموم التي تناولوها، والأحلام البسيطة التي كانوا يعبرون عنها وهي كحال معظم الشباب الأردني والعربي عموماً، إلا أن راند ومن يستفيد وينفذ أبحاثها قد حققوا غاية أكبر دللت عليها سرعة تولي أصحاب الخبرات لمناصب أعلى، وطرح عنوان العقد الاجتماعي الجديد الذي جاء عنواناً لحكومة الرزاز، بالإضافة إلى مجموعة من الوزراء الشباب في حكومته كديكور شكلي يعبر عن عنوان البحث لا أكثر.

أما الجزء الأخير للمراحل التي وضعها ديوي وهو تقويم الخطة، فلا شك بأن سلسلة المشاريع التي أعلنتها حكومة الرزاز منذ التكليف وما سبقها من إعلان لوزارة التنمية السياسية عن عقد دورات بالتعاون مع المعهد الديمقراطي تحت عنوان المشاركة السياسية، ثم إطلاق مشروع تبني المبادرات الشبابية وهذا العدد الكبير من تولد مبادرات تفوق العدد الذي كانت تتوقعه الحكومة، إذ تم تقاسم الأدوار بالرعاية بين الوزارات المعنية ومؤسسات تعرف بمؤسسات غير ربحية ونهر الأردن نموذجاً، حيث تبنت هذه المؤسسة العديد من المبادرات وأنجزت العديد من الدورات في مساقات متعددة، وهي أيضاً من المؤسسات التي تعاونت مع راند بوثيقة الشباب وعينت إحدى أعضاء مجلس أمنائها وزيرة للتنمية الاجتماعية بحكومة الرزاز، وهي هالة بسيسو لطوف، والتي تولت هذا المنصب الوزاري منذ عام 2007-2018 وخرجت من الحكومة بتعديل على حكومة الرزاز، وكان لها أكثر من شكر من مؤسسات أمريكية آخرها معهد بروكنز بمشروع أشرف المعهد عليه حول الشباب في الأردن وغيره من الدول العربية، إضافه لوجودها بالوزارة في وقت إجراء بحث راند موضوع دراستنا. ومن اللافت أن الشركاء في بناء البحث من الأردنيين كان بعضهم في مناصب ذات صلة بتنفيذ المشاريع الأمريكية المقترحة، وخير مثال هو الدكتور إبراهيم سيف وزير التخطيط الأسبق، دون تجاهل دور وزارة التخطيط في التخطيط والتنفيذ واستقبال التمويل وتوزيعه بالطريقة التي تراها.

بعد مراجعة البحث المعنون بـ “الشباب في الأردن: الانتقال من التعليم إلى التوظيف”، نجد أن الشباب كانوا أداة جذب في البحث وليسوا الفئة المستهدفة، في حين ارتكز البحث على إعادة صياغة الكثير من المفاهيم حول شكل الدولة في الأردن، ومن بينها العقد الاجتماعي الذي يتجاهل الهوية الأردنية العربية، لتحويل المواطنين إلى مجموعة من السكان الباحثين عن فرص أفضل للحياة، تحت شعار توفير فرص العمل، وليس هناك أفضل من المشاريع الأمريكية الموصى بها من صندوق النقد الدولي – وهي في غالبها مشاريع تفتقر إلى ركيزتين أساسيتين هما الاستدامة والإنتاج – وعليه، يبدو للمطلع على البحث تغييب البحث للأسباب الحقيقية لمشاكل الشباب وربطها بتبعات الحروب الأمريكية في المنطقة، مثل اللجوء العراقي واللجوء السوري، إضافة إلى ما صنعته الولايات المتحدة من ثورات ملونة اقتصرت أهدافها على تغيير أنظمة الحكم القائمة، والعودة إلى مجتمعات تعج بالفوضى وتفكيك مؤسسات الدولة.

 

عن harka

شاهد أيضاً

النكبة نتيجة سقوط الأندلس/ باسل الأعرج

كتب الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج “هناك متلازمة غريبة جدا يحملها الشباب العربي هذه الايام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();