الرئيسية / آراء ومقالات / ما لم تعلنه السياسة، يفضحه الاقتصاد. ج 2

ما لم تعلنه السياسة، يفضحه الاقتصاد. ج 2

هل نحن أمام أزمة أم كساد؟ 

في عدد خاص حمل عنوان “العولمة في أزمة” ضمن كتيبات “نقاش حول العولمة” يشير باري ك.جيلز أستاذ السياسة العالمية في جامعة نيو كاسل إلى أطروحة اقتصادية تقول ” منذ نهاية الانتعاش الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية (على الأقل في البلدان الشمالية المتقدمة أو الغنية)  والتي تعود إلى 1967-1968 تقريباً، كانت هناك نزعة لأن تصبح الأزمات أكثر تكراراً، وأكثر انتظاماً وتواجداً عالمياً، وأن تصبح تدريجياً أكثر حدة وضرراً، وكذلك أكثر تداخلاً واعتماداً على بعضها البعض وأكثر تزامناً، فتبلغ في نهاية الأمر أوجها في المستوى الحالي من المجازفة والأخطار الشاملة وعدم الاستقرار”(1)

ما أفضت إليه أزمة 2008 لم يكن مجرد أزمة مالية عابرة، بل فضحت مجموعة أزمات متراكبة، تعتمد على الأطروحة أعلاه، والتي هي نتاج للمنطق الرأسمالي، فنحن أمام أزمة في الطاقة، وأزمة في الغذاء(2)، وأزمة بيئية حرجة جداً، وأزمة مالية، ففي مجال الغذاء وحده وتحت مفهوم الثورة الخضراء، أجبر القطاع الزراعي على الدخول في التحولات الاقتصادية بواسطة رأس المال القادم من سوق المعادن، بحيث أصبح الواقع الغذائي العالمي يعتمد على زراعة المحصول الواحد، مما تسبب بطرد ملايين الفلاحين حول العالم من أراضيهم لصالح هذه الشركات، مما أوصل ما يفوق الـ 50 مليون شخص وبسبب هذه الثورة في الزراعة إلى أدنى مستويات الفقر ما بين 2007، و2008.

فضاء التوقعات.

لنحاول أن نجيب عن سؤالنا الأول، هل نحن أمام أزمة أم كساد سيفضي إلى إعلان دول كبرى عن إفلاسها؟ بحسب استطلاع خاص أجرته جريدة “وول ستريت جورنال”، فإن 59% من الاقتصاديين يرون أن الانتعاش الحالي في الاقتصاد الأميركي سوف ينتهي بحلول عام 2020، وقال 22% آخرون إنه سينتهي في العام الذي يليه، أي في 2021، في حين ترى مجموعة قليلة من الاقتصاديين أن الركود القادم سوف يبدأ في 2022.

ماهي المؤشرات(3) التي اعتمد عليها الاقتصاديين في العالم للإشارة إلى أزمة تصل إلى مرحلة كساد عالمي؟

1- الانسحاب المفاجئ للأثرياء من سوق العقارات، حيث ذكرت تقارير أن مبيعات المنازل المسعرة عند مستوى 1.5 مليون دولار أو أكثر سجلت تراجعاً بنحو 5% في الولايات المتحدة.

2- انخفض ناتج التصنيع في الصين عام 2019 بنسبة 4.8%، أي إلى أقل معدلاته منذ 17 عاماً.

3- تراجع الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2% في الربع الثاني من2019، وهو الحال ذاته في بريطانيا.

4- سعي محموم من البنوك المركزية لشراء الذهب، وهو مؤشر على قلق هذه البنوك من المستقبل، فالأوراق النقدية المطبوعة في السوق أكبر بكثير من القيمة الحقيقية لها، ومع استمرار طباعة العملة، وتكدس البضائع (الإنتاج أكبر من طلب السوق) وارتفاع أسعار الأسهم دون ارتفاع موازٍ في الإنتاج أو البيع وأرباح الشركات، كل هذا يعني أننا مقبلون على فقاعة مالية نووية.

5- يواجه الاقتصاد الصيني نمواً قد يكون الأبطأ منذ حوالي 3 عقود، في ظل حرب تجارية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية.

6- الدين العام العالمي بلغ مستوى قياسياً، حيث أصبح أكثر من 250  تريليون دولار منذ مطلع 2019.

7- وهي النقطة التي قد تكون الأخطر والأهم في هذه المؤشرات، تصاعد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، مما سيفضي إلى تهديد حقيقي لاقتصاديات منطقة غرب آسيا، التي تعاني أصلاً بسبب أنماط الاقتصاد المعتمدة بنسبة كبيرة في الدخل القومي على واردات النفط، حيث من المتوقع أن يصل سعر برميل النفط لحدود 200$، وهو ما يشي بارتفاع غير مسبوق في الأسعار على المواد الأساسية على مستوى العالم.

هوامش:

(1) باري ك.جيلز- عودة الأزمة في عصر العولم: أزمة واحدة أم عدة أزمات- العولمة في أزمة، ص 24-25

(2) طالع كتاب صناعة الجوع (خرافة الندرة) لـ ” فرانسيس مورلابيه، جوزيف كولينز

(3) تسونامي مالي يضرب العالم- عربي بوست.

 

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();