الرئيسية / آراء ومقالات / أدب وفكر / عرض وتلخيص كتاب بقلم د.بهجت سليمان.( الحلقة الأولى| الجزء الثاني )

عرض وتلخيص كتاب بقلم د.بهجت سليمان.( الحلقة الأولى| الجزء الثاني )

 حقيقتنا المطلقة 

[ الحياة و الكون و قدر الإنسان ]

● تأليف الفيلسوف ( إدريان كوبر )

■ نقله إلى العربيّة : ( أ. د. منذر محمود محمد )

{ يحتوي الكتاب على ( 3 ) أجزاء }

في ( 113 ) فصلاً
و مقدّمة و خاتمة

في ( 670 ) صفحة من القطع الكبير

.

الفصل الرابع

الطّاويّة

الطاوية Taoism هي ثقافة مشرقية عظيمة أخرى تتمحور حول طبيعة الجنس البشري و الكون و قدرهما، و تطوير الذوات كتجليات للخلود الرباني، من خلال تعليمها أنّ هناك حقيقة مطلقة هي أساس كل شيء و كل فرد في الكون. و الكلمة (الطاوية) تترجم تقريباً بالدّرب أو الطّريق.
يُعتقد على نطاق واسع أنّ مؤسّس الطاوية هو (لاو تسي) (604- 531 قبل الحقبة المشاعيّة)، و كان أحد معاصري كونفوشيوس؛ حيث كان لاو تسي يبحث عن وسيلة لوضع حدّ للحرب القبلية المستعرة و التّنافر اللذين سادا تلك الحقية.

أصبحت الطاوية كمثيلتيها الكونفوشيوسية و البوذية واحدة من ثلاثة معتقدات رئيسية في الصين. و مع نهاية حكم سلالة تشينغ Ch’ing سنة 1911 ، فقد توقّف الدعم الرّسميّ من قبل الدولة لهذا المعتقد، و ترافق ذلك مع إتلاف الكثير من التراث الطاوي في الصين، و قمع أشكال الحريات الدينية في البلاد مع تسلّم الشيوعيين مقاليد الحكم في الصين سنة 1949.

تؤمن الديانة الطاوية أنّ “طاو” Tao هو العلّة الأولى للكون. و الغاية المطلقة و الأكثر قداسة بالنسبة إلى أتباع الطاوية، كما في كلّ التّعاليم التي جاءت بها المعارف القديمة في الشرق و الغرب، هي الاتحاد إلى درجة التّماهي مع “طاو”.
يمثّل الرمز الموسوم في الطاوية “ين- يانغ” Yen- Yang التوازن بين الأضداد في الكون، و هو نفس مبدأ الجنسوية التي تنادي به الحكمة في الغرب، اليوم.

يتمتع الكون بأسره من أسمى نقطة فيه نزولاً باتجاه عالم المادة الفيزيائي بحال دائمة من التناغم و التوازن؛ و كلّ شخص يؤثّر في هذا التناغم و التّوازن المتوارَثين سوف يكون بصورة مؤكّدة عُرضة للمبدأ الكوني المتمثّل بالسبب و النتيجة، ما سيؤدي إلى أن يفقد التّناغم على المستوى الشخصي توازنه ؛ فالحياة من أجل اللحظة، أي السير مع تيار الحياة، يُنظر إليها في الغالب على أنها “السير مع طاو”.

الفصل الخامس
البوذيّة

انتشرت الديانة البوذية في العديد من البلدان الآسيوية بما فيها الهند و الصين و التّيبت و نيبال و كوريا و اليابان و سيريلانكا، إضافة إلى عدد من البلدان في العالم الغربي حيث تتواجد أعداد متزايدة من أتباع الديانة البوذية. هناك حالياً ما يقرب من ثلاثمائة مليون شخص يعتنقون هذه الديانة بصور و أشكال متعدّدة.

اشتقّت كلمة بوذا من كلمة “بوذي” التي تعني “اليقظة”. و اليقظة هنا هي بمعناها الرّوحيّ حيث يسعى ممارسو هذه الديانة إلى شكل من أشكال التنوير، أي اليقظة من الداخل، و هي تتساوق مع اكتشاف حقيقة أن الكون و الرب هما في داخل كل شخص. أما الشخص الذي أصبح يُعرف بإسم بوذا، و هو سيداراثا غوتاما Siddaratha Gautama فقد وصل إلى عالم اليقظة الكاملة أو التنوير الكامل عندما لم يكن عمره قد تعدّى الخامسة و الثلاثين.

البوذيّة شأنها في ذلك شأن جميع المعتقدات التنويرية، تتسامى على وصفها بأنها مجرّد دين، كونها غير عقدية أو متشدّدة في تعاليمها، و لا تحتوي على مبادئ جامدة.
و البوذية كمثيلتها الهندوسية، هي فلسفة و طريقة حياة بالنسبة إلى مئات الآلاف من الناس الذين يمارسون طقوسها اليوم. تتناول البوذية في خطوطها العريضة الحاجة إلى أن يحيا المرء حياة أخلاقية، و أن يقوم بتطوير الحكمة و فهم القوانين.

تستند البوذية إلى أربع حقائق نبيلة :

الأولى : الحياة بالنّسبة إلى معظم النّاس تعني المعاناة من الإحساس بالألم و الوقوع في الأمراض و الإحساس بالوحدة و الخوف و الإحباط و خيبة الأمل و الغضب؛ و تعلّم البوذيّة حقيقة أنّ كل هذه المشكلات ما هي إلّا نتيجة للطّريقة التي يمارس فيها المرء تجربته الحياتية، كما تُرشد إلى الكيفية التي يُمكن بواسطتها التخلص منها.

الثانية : تؤكّد هذه الحقيقة على أنّ المعاناة ناجمة عن الخضوع للرّغبة الشديدة في الحصول على شيء ما، أو الإحساس العارم بالكراهية، أو أنّ النّاس تشعر بالمعاناة إذا كانت لديهم توقعات بأنّ الآخرين سوف يرتقون إلى مستوى آمالهم. أو أنّ النّاس الذين تتملّكهم مثل هذه الرّغبات أو خصوصاً في الرّغبة في أن يبقوا على قيد الحياة ضمن الجسد المادي الحالي يولِّد طاقة قوية أشبه بمصيدة يقع هؤلاء في شباكها، فتكون النّتيجة الحتمية لذلك أنهم، بعد الموت، سوف يولدون من جديد كي يتعلّموا الدروس التي فشلوا في استيعابها في الحياة السابقة.

الثالثة : تؤكّد على إمكانية التغلّب على المعاناة، و إبدالها بالسّعادة، عن طريق تنحية كلّ هذه الرغبات العديمة النفع، و عيش الإنسان ليومه و حسب، و أن يطلق سراح ذاته في العيش ليومه؛ و هذا ما يُسمّى النيرفانا Nirvana أو “السعادة القصوى”.

الرابعة : و تشير هذه الحقيقة إلى أنّ درب التّفرّعات الثمانية هي الدّرب التي ستؤدي إلى وضع حدّ نهائي للمعاناة، هذه الدّرب النّبيلة بمبادئها الثمانية التالية:

▪︎ الأول : و هو ما يُطلق عليه وصف ساما ديتي Samma-Dithi: و يعني البصيرة التّامة أو الكاملة. إنها بصيرة الطّبيعة الحقة للحقيقة، و هي أيضاً درب التحول.

▪︎ الثاني : و يسمى ساما سانكابا Samma-Sankappa: و هو الطموح المتكامل أو العاطفة المكتملة، و ذلك بتحرير العاطفة و التحرك ضمن نطاق الحب و الرحمة.

▪︎ الثالث : يُدعى ساما فاكا Samma-Faca: و هو الخطاب الشّموليّ و المتكامل. يتصف هذا المبدأ بالوضوح و الصدق و الارتقاء و التواصل غير المؤذي.

▪︎ الرابع : و يُدعى ساما كامانتا Samma- Kammanta: أي الفعل التّكاملي؛ و هو المبدأ الأساس الأخلاقي للحياة الذي يستند إلى مبدأ عدم استغلال النّفس أو الآخرين.

▪︎ الخامس : و يُدعى ساما أجيفا Samma-Ajiva: أي الحياة الصحيحة التي تستند إلى الفعل الصحيح و المبادئ الأخلاقية و عدم الاستغلال؛ و هو الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع مثالي.

▪︎ السادس : يطلق عليه إسم ساما فاياما Samma-Vayama: أي الجهد التام أو الجهد الكامل؛ و يُمثل أيضاً الطاقة الحيوية، بتوجيه طاقة الحياة بشكل واع صوب الدرب التحولية للفعل الخلّاق و الشافي؛ و هو يُعزّز مفهوم الكمال. هذا هو التّطوّر الواعي و العاقل.

▪︎ السابع : يسمى ساما ساتي Samma-Sati : أي الوعي الكامل و العميق، و يُسمى أيضاً “اليقظة الصحيحة”، بالتركيز على كل ما يحيط بنا و على ما يتعلق بمشاعرنا و أفكارنا و الناس و الواقع.

▪︎ الثامن : و يُسمى ساما سامهادي Samma-Samhadi : و يُمثل التماهي الكامل و الشمولي مع المنبع أو “الكلّ”. و يتضمن التركيز و التّأمل و توجيه العقل باتجاه واحد محدّد و التّأسيس التقدّمي للكينونة الشمولية باتجاه المستويات العديدة للوعي الشعوري.

و البوذية هي فلسفة أكثر ممّا هي دين، و مع ذلك فإنّ هدفها النهائي هو الإرشاد إلى طريق التنوير و تحقيق كامل للذات و للكون بأسره، و أي كل شيء كما “هو”.

يُقر البوذيون، كما هي الحكمة السائدة على مر العصور في الشرق و الغرب، أن الحب في مفهومه المطلق هو القوة الأكثر قدرة في الكون. فالرحمة المطلقة و الحب لكل ما في الكون و لكل من في الكون أو ما يُطلق عليه وصف “ميتا” metta أو حب “الإحسان” من السّمات الأساسية للبوذيّة.

الفصل السادس
حكمة الغرب

من المتعارف عليه على نطاق واسع أنّ منطلق الحكمة و المعرفة في العالم الغربي كان مصر القديمة منذ غابر العصور و قبل بناء الأهرامات الأولى بفترة طويلة.
و يعتبر هيرميس تريسميغيستوس Hermes Trismegistus الذي عاش في مصر القديمة قبل عدة آلاف من السنين قبل ظهور المسيحية و الديانات العالمية الأخرى التي تلتها، أعظم معلّم في التاريخ بحسب ما أكّده العديد من الباحثين منذ تلك العصور. كان تأثير هيرميس و عظمته يكمنان في أنه كان يُكنّى على نطاق واسع بلقب “سيّد السّادة” و “معلّم المعلّمين”. تقاطر عليه الناس من الشرق و الغرب من كافة أنحاء العالم لينهلوا منه الكم الأكبر من الحكمة القديمة التي سادت في الشرق و الغرب، فكانت من معين ذلك الرجل العظيم.

لقد نثر هيرميس في حياته بذار الحقيقة حول الطبيعة الحقّة للكون و البشرية، على أمل أن تنمو تلك البذار و تتبرعم و تتكاثر على امتداد الآلاف التالية من السنين، و تتناقلها الأجيال من المعلمين و الطلبة جيلاً بعد جيل. و مع مرور العقود و القرون و الآلاف من السنين، بقيت تعاليم هيرميس و كلماته و خكمه تنبض بالحياة على امتداد العالم الغربي شفاهيّاً و كتابياً، و قد قُيّضَ لها أن تُحفظ في أماكن آمنة بعيداً عن أعين أولئك الذين يريدون طمس الحقيقة.
تمّ في مراحل لاحقة رفع مرتبة هيرميس إلى مصافّ الآلهة حيث عُرف باسم تحوت Thoth، أي الحكمة، بالرغم من أن هيرميس كان يعتبر نفسه رسولاً من قبل الآلهة.

اختفت منذ آلاف السنين حضارات قديمة متطورة و ما من شك أن أدلة أخرى سوف تظهر في القادم من الأيام على وجود تلك الحضارات التي كان لها تأثير عميق في الكثير من الثقافات السائدة في حينها، حيث أن الديانات التي ظهرت في حينها عملت على تدمير ما سبقتها من ديانات كانت تمتلك المعرفة الحقّة المفيدة للإنسانية.

كانت هناك أيضاً حضارات عظيمة أخرى في عالم الغرب قبل و بعد زمن هيرميس تمتلك ناصية المعرفة و تنشر هذه الحقائق القديمة. لقد كانت مثل هذه الحضارات العظيمة موجودة في أميركا الجنوبيّة و الوسطى من بينها حضارات إنكا Inca و تولتيك Toltec و مايا Maya ؛ و أمّا في منطقة الشرق الأوسط فقد كانت هناك الحضارات الآشورية و السومرية و الأناضولية و البابلية في بلاد الرافدين، فانتشرت تعاليمها و حكمتها و ما زالت موجودة حتى اليوم.

و من بين الحضارات العظيمة الأخرى التي كانت تمتلك مفاتيح الحكمة الكونية و سادت و بادت كانت حضارة الأطلنطي الأسطورية البائدة، و حضارة ليموريا Lemuria المعروفة بحضارة “مو” Mu التي يعتقد أنها كانت موجودة في بقعة من المحيط الهادي بالقرب من جزيرة إيستر Easter و هي موطن التماثيل العملاقة الشهيرة.

يسود اعتقاد جازم بأن سكان الأطلنطي كانوا على تماس مباشر مع الحضارات القديمة في الأميركيتين و الشرق الأوسط.

تتمتع مظاهر المعرفة و الحكمة المعروفة في الغرب بالتوازن و التناغم بوصفها اختلاطا لما استُلَّ من الإرث و التعاليم الواردة في مصر القديمة في زمن هيرميس تريسميغيستوس.

تُعَرَّفُ الطبيعة الحقة للكون بحسب التعاليم القديمة في الغرب من خلال سبعة من المبادئ الأساسية التي يؤدي بواسطتها كل شيء في الكون دوره. و هذه المبادئ هي المبدأ العقلاني و مبدأ التوافق و مبدأ الذبذبات و مبدأ القطبية و مبدأ الإيقاع و مبدأ السبب و النتيجة، و أخيراً مبدأ الجنس أو النوع.

الفصل السابع
مبدأ العقلانية

يجسد هذا المبدأ حقيقة أن الكون برمته هو وعي و عقل حيّ لا متناه، يمثّل كل شيء و كل فرد فيه مظهراً من مظاهره و جزءاً لا يتجزأ منه، و له كينونته الخاصة. كل شيء في الكون بكل أبعاده أو فضاءاته له وجوده الخاص به ضمن هذا العقل الحي اللامتناهي و الذي يمكن أن يُطلق عليه حقّاً إسم “الرّبّ”؛ أي العلة الأولى و مصدر الطاقة. يفسّر مبدأ العقلانية القوى النفسية و الطبيعة الحقّة للطاقة و المادة؛ كما يُفسّر لماذا أننا بصفتنا بشراً خُلقنا على صورة الخالق، فنستطيع ممارسة عملية الخلق في العالم الأصغر، تماماً كما مارس الرب عملية خلق الكون برمّته، أي العالم الأكبر.

الفصل الثامن
مبدأ التّوافق

هذا المبدأ هامّ للغاية لأنه يعلّم حقيقة وجود توافق مباشر بين كل مستويات الحقيقة. فكلّ ما في الكون هو تحت مظلة النظام و إلّا لعمّت الفوضى و انهار الكون في لحظة.

و يُمثّل هذا المبدأ بالمسلّمة الشهيرة : “إنّ ما هو موجود في الأسفل هو تماماً ما هو موجود في الأعلى”؛ و هو أحد أسس السّحر، الذي بخلاف ممارسة الخدع، قد أطلق من قبل الحكماء Magi أنفسهم على Magic، و هو الذي يستخدم فيه الساحر القوانين الكونية بمستوى عال من التركيز و الهدف و الطاقة من أجل إيجاد العلة الأولى لشيء ما، بغية عرضه في الفضاء الداخلي للحقيقة، و الذي بدوره و بموجب مبدأ التّوافق عليه أن يظهر في العالم المادي بما يتوافق و أهداف الساحر.

الفصل التاسع
مبدأ الذبذبات

الأساس الذي يقوم عليه هذا المبدأ هو أن كل شيء في الكون في حالة من الحركة المستمرة؛ فلا شيء يخلد إلى الراحة و لو للحظة واحدة. و الذبذبات هي ما ندعوه بالطاقة، و هو ما بدأت تكتشفه الفيزياء الكمّيّة و تتبنّاه بسرعة باعتبارها القاعدة الأساسية التي يستند إليها الكون، و على اعتباره مبدأ الاختلافات بين كل مظاهر المادة و الطاقة و الروح التي هي كلها ليست سوى ذبذبات صرفة أو طاقة.

الفصل العاشر
مبدأ القطبية

يعلّم هذا المبدأ حقيقة أن كل شيء في الكون هو ثنائي التكوين، أو ذو قطبين. فما من أشياء مطلقة في الطبيعة. فلا وجود هنالك لحدود قصوى. يفسّر هذا المبدأ مفهوم التناقضات و يسلّط الضوء على إمكانية التحول الذهني الذي يعرف أيضاً ب “الكيمياء”، حيث يمكن أن يتحوّل كره شيء ما إلى حب للشيء ذاته عندما يحدث التحول بالتوازي مع نفس المحور القطبي.

الفصل الحادي عشر
مبدأ الإيقاع

و يشمل هذا المبدأ حقيقة أنه في كل شيء هناك الفعل و ردّة الفعل اللذان يحدثان على نفس المحور القطبي، كرقّاص السّاعة و المدّ و الجزر.

الفصل الثاني عشر
مبدأ السبب و النتيجة

أو ما يُعرف بمبدأ “التّسبيب”؛ و هو قانون كوني في غاية الأهمية، حيث يذهب البعض إلى أنه القانون الأكثر أهمية و سمواً. فلا شيء يحدث بالمصادفة، إذ لا يوجد لمفهوم إسمه “المصادفة”، ذلك أن كل ما يحدث يؤدي بالضرورة إلى نتيجة. و “الكارما” أحد أهم مظاهر التّسبيب. و لا وجود لمصادفة أو حظ أو نصيب.

الفصل الثالث عشر
مبدأ الجنس أو النوع

يجسد هذا المبدأ حقيقة أن كل شيء في الكون يحتوي على مبدأي الذكورة و الأنوثة، ليس فقط في الكائنات الحية و إنما في كل شيء آخر في الوجود؛ حيث يعمل هذا القانون على التّولد و إعادة التولد و الخلق، و هو ما يتّسق مع قانون القطبية.

الفصل الرابع عشر
لوح هيرميس الزمردي

يعتبر لوح هيرميس الزمردي الموغل في القدم نصاً غاية في الأهمية كونه يوثّق من خلال النقش على لوح حجري أخضر اللون مكتوب عليه بالسريانية القديمة، يُعتقد أنه حجر كريم اكتشفه شخص إسمه “باليناس” Balinas، طبيعة الكون و منشأه.
يروي “الحجر” سردية عملية الخلق و طبيعة الكون التي تتمتّع بتأييد كامل من قبل العديد من المصادر المستقلة الأخرى، بما فيها الفيزياء الكمّيّة و الكيمياء، بما في ذلك عملية تنبيل الروح في خَطوها على درب الكمال.

و فيما يلي الترجمة الحرفية للوح هيرميس بنسخته اللاتينية من القرن الثاني عشر :

” حقيقيّ من دون زيف، و مؤَكّد بالمطلق
” فما هو في الأعلى يُشبه ما هو في الأدنى؛
” و ما هو في الأدنى يشبه ما هو في الأعلى؛
” و هذا يدلّ على معجزة الوحدانية.
” و كما كلّ الأشياء التي خلقها تأمُّل الواحد الأحد،
” فإنّ كل الأشياء ولدت من جديد من تَكَيُّفٍ واحد.
” حملته الريح في رحمها،
” و أرضعته الأرض من ثدييها.
” إنه أبٌ لكل الأفعال الإعجازية في العالَم.
” قوّته تُوصف بالكمال.
” إذا ما توجّه بقدرته نحو الأرض،
” فلسوف يفصل بين الأرض و النّار،
” و بين السّمين و الغثّ.
” يرتقي بقدرته المطلقة من الأرض إلى السّماء،
” و يهبط من جديد إلى الأرض،
” و يستردّ القوة المتوضعة في العالَمين العلويّ و السّفليّ.
” هكذا سوف تتلقى المجد الذي يميز العالَم؛
” و هكذا سوف يتنحّى الغموض بعيداً عنك.
” هذه هي القوّة الكلية التي لا تضاهيها قوة،
” لأنّها تهيمن على كل ما هو لطيف،
” و تخترق حجب كل ما هو أصمّ.
” هكذا تمّ خلق العالَم.
” و من هذا الخلق بزغت جميع التّكيفات المتناهية الروعة،
” و التي انبثق منها هذا النّهج.
” و لهذا السبب، أنا أُدعى هيرميس،
” المُتَوّج ثلاثاً لأنني أمتلك ناصية الأقسام الثّلاثة للحكمة،
” التي تُعنى بالعالَم بأسره.
” و ما كان عليّ قوله حول ما فعلته الشّمس،
” هو التّمام بعينه”.

الفصل الخامس عشر
الكابالاه أو القبلانية

و هي فلسفة و معتقد يعود أصلها إلى الدّيانة اليهودية القديمة، قبل وقت طويل على ظهور المسيحية و الكنائس الأرثوذكسية. و هي أحد المصادر الغربية الهامة للحكمة الكونية و المبادئ المستندة إلى معارف موغلة في القدم تعود في أصولها إلى الإدراكات المتوضعة في الفضاءات الداخلية للحياة و الحقيقة.

و القبلانية فلسفة في غاية التعقيد، لكنها تمثّل من خلال أكثر مستوياتها تبسيطاً الحكمة التي نستبين بواسطتها الجانب الإلهي في دواخلنا. فعالَم المادة الخارجي هو “البشرة الخارجية” أو “الأدمة”، في حين أن الرب يمثّل المظهر الداخلي، و هو في مركز الخلق المتمثّل بأقصى درجات الذبذبة و أدنى مستويات الكثافة على الإطلاق. و تبثّ الطاقة الإلهية إشعاعاتها إلى الخارج بحيث تغطي الكون بأكمله. ففي البداية لم يكن هناك سوى “المنبع”، أي الرب، أو “الآن الأبدية” الموجود خارج نطاق الزمان و المكان. و السلسلة المتّصلة للكون بكل مكوناتها عبارة عن ذبذبات و بالتالي هي طاقة. لا وجود لشيء من دون طاقة.

بدأت الديانة اليهودية مع إبراهيم الذي كرّس حياته كلها للوصول إلى كنه معرفة الرب في داخله. و أوّل نصوص القبلانية و أكثرها أهمية هو كتاب “التكوين” الذي يُنيب إلى آدم نفسه.

الأساس في الفلسفة القبلانية و الأسلوب الذي انتهجتْه في نشر تعاليم الحكمة الإلهية تمثَّلَ في توصيف و شرح دروب الحكمة الإثنتين و الثلاثين، و هي دروب أو مظاهر رمزية لفعل الخلق المطلق. و للفلسفة القبلانية تقاليد قديمة و مستمرة امتدت على آلاف السنين و لم تعانِ من ترجمات أو تفسيرات قد تحمل في طياتها أي نوع من التحامل كما حدث للعديد من الكتب الدينية الشائعة أو الأناجيل.

في حوالي السنة 100 من الحقبة المشاعية تم منح الحاخام شيمون بار يوشاي الإذن من مجمعات الفضاءات الداخلية للكشف عن أساس العقيدة القبلانية و مناقشتها و تعليمها. و قد نجم عن هذا الأمر عمل باسم سيفير هازوهار Sefer Hazohar، أو “كتاب الإشراق”. و بعد ألف سنة اكتشف حاخام شهير آخر هو إسحق لوريا ما سكت عنه “كتاب الإشراق” أو ما لم يستطع شرح تعقيدات القبلانية فكتب الحاخام المكنّى بالأريزال The Arizal، أي الأسد الذهبيّ، ما يشرح تلك التّعقيدات النّاجمة عن التّشابك بين العوامل المشتركة لفعل الخلق، و في أسرار اروح و غايتها.

بعد مائتي سنة، كشف شخص يُدعى بعل شيم توف Ba,al Shem Tov أو Besht، مظهراً كليّاً جديداً للقبلانية و أكثر عمقاً؛ و نتج عن ذلك ما اصطلح على تسميته “قبلانية البيشت” أو ما عُرف بإسم “تشاسيدوت” Chassidut.

عن harka

شاهد أيضاً

النكبة نتيجة سقوط الأندلس/ باسل الأعرج

كتب الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج “هناك متلازمة غريبة جدا يحملها الشباب العربي هذه الايام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();