حالةُ حصار

عماد الحطبة

المصدر: صحيفة تشرين السورية.

 

أعلن رئيس النظام التركي رجب أردوغان، خلال لقاء معه على إحدى المحطات التلفزيونية استعداد بلاده لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا إذا طلبت منه حكومة فايز السراج ذلك. جاء الحديث على هامش اتفاقية بحرية تتعلق باستغلال آبار النفط والغاز تم توقيعها خلال زيارة السراج إلى أنقرة. بعد أنقرة طار السراج إلى الدوحة وحصل على دعم مماثل من الأمير القطري.
إعلامياً، تم تصوير الاتفاقية البحرية كثمن تدفعه حكومة السراج للحصول على الدعم الأمني والعسكري في مواجهة قوات حفتر، كما صوّر الإعلام «إسرائيل ضحية من ضحايا هذا الاتفاق»، كما مصر واليونان وقبرص. هذه القراءة الإعلامية المقلوبة تتغاضى عن أن الاتفاقية هي المشروع الرئيس، وأن المواجهة العسكرية هي النتيجة وليست السبب.
هل لهذه الاتفاقية علاقة بتطور الأحداث في المنطقة.. ومن الأطراف المستهدفة بهذه الاتفاقية؟.. هذه الأسئلة غابت عن الاهتمام الإعلامي.
بعيداً عن نظرية المؤامرة، لا يمكننا التعامل مع أي حدث في المنطقة على نحو منعزل، فقد تعلمنا أن عدونا ينظر إلينا ككل موحد، على الرغم مما يسود بيننا من فرقة. فما يحدث في بغداد أو بيروت أو الجزيرة السورية مرتبط بما يحدث في القاهرة أو طرابلس أو صنعاء، أما الأطراف المستهدفة فهي مصر على نحو رئيس، برغم الضرر الذي يصيب اليونان وقبرص.. «إسرائيل» جزء من المخطط، خاصة أنها لا تخفي أطماعها في مناطق الغاز الواقعة قبالة السواحل اللبنانية، وبشكل خاص «المنطقة 9».
تشهد مصر ثورة على مستوى البنية التحتية، فمشاريع المواصلات والطاقة حققت طفرة لافتة، ويبرز هنا مشروع أنفاق السويس الذي يتيح فرصة حقيقية لإطلاق مشروع إعمار سيناء، ومشروع توليد الطاقة الشمسية، وهي مشاريع استراتيجية اقتصادياً، وأمنياً، لكن مصر تعاني الحصار من جميع الجهات، من الجنوب أصبح واضحاً الخطر المحدق بها في موضوع سد النهضة الذي يشكل خطراً على مستقبل مصر بتخفيض حصتها من مياه النيل التي تستعملها للزراعة والنقل وإنتاج الطاقة.
من الغرب، تُمثل الأوضاع في ليبيا تهديداً أمنياً مستمراً لمصر، إذ تشكل الصحراء الليبية المعبر الأهم للجماعات الإرهابية باتجاه العمق المصري، وفي ظل الروابط الاجتماعية التي تربط القبائل البدوية على طرفي الحدود، وطول الحدود الذي يبلغ 1115 كلم، فإن العلاقة المصرية مع الطرف الذي يسيطر على غرب ليبيا، تصبح حجر أساس في السياسة الأمنية المصرية.
في الشرق تبقى «إسرائيل» برغم اتفاقية «كامب ديفيد»، العدو الرئيس لمصر.
برغم الحصار استطاعت مصر استيعاب الأزمة الاقتصادية، والتحول إلى البناء الاقتصادي بنسبة نمو تصل إلى 5.6%، وفي حال بدأت مصر باستغلال مصادر النفط والغاز قبالة سواحلها، فإنها ستخرج من تحت عباءة المساعدات السعودية، وستكون قادرة على استعادة موقعها المؤثر إقليمياً.
بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، أصبح من الواضح تماماً أن الدول المحورية في المنطقة ثلاث؛ مصر وسورية والعراق، وأن محاولات واشنطن لإيجاد زعامة عربية جديدة من خلال السعودية، لم تكن سوى إضاعة للوقت، وأن مثل هذه الزعامة ستبقى مؤقتة وطارئة.
العراق الذي عانى الاحتلال الأميركي، يعيش اليوم حالة عدم استقرار تهدد كيانه، وتجعل التقسيم أو الفدرلة واحداً من الخيارات المطروحة للخروج من الأزمة.
تعاني سورية الحصار الرأسمالي، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الإجرامي المفروض عليها، فالعدو التركي في الشمال لا يخفي أطماعه بالأراضي والثروات السورية، وفي الشرق تمتلك الولايات المتحدة عشرات القواعد العسكرية داخل العراق، أما في الجنوب فالأردن متورط في الحربين العسكرية والاقتصادية على سورية، ناهيك بوجود العدو الصهيوني. السيطرة الأميركية على منابع النفط هدفها حرمان الدولة السورية من عوائد النفط التي يمكن استعمالها في إعادة الإعمار، ويجب ألا ننسى أن المياه الإقليمية السورية، الغنية بالنفط والغاز، تشكل واحداً من أطماع أردوغان التي لا يخفيها، لذلك فإن تحجيم مصر- الضلع الوحيد من المثلث الذي لا يعاني ويلات الحرب، ومنعها من التعافي الاقتصادي الذي يمكن أن يكون المدخل إلى التعافي السياسي- يصبح همّاً ومهمة للعديد من الأطراف.
الأصابع الأميركية غير بعيدة عن الاتفاق التركي- الليبي، تماماً كما هي غير بعيدة عما جرى ويجري ضد سورية والعراق، فالأميركي يبحث عن استعادة سيطرته على المنطقة، بعد استعادة روسيا جزءاً مهماً من دورها العالمي، وكذلك تنامي الدور الصيني، خاصة على الصعيد الاقتصادي، أما «إسرائيل» التي تغيب تماماً عن الصورة ظاهرياً، فهي قادرة على الالتحاق بالاتفاق في أي وقت، في ظل ما تتمتع به من علاقات تجارية ضخمة مع تركيا، وما تناله من دعم أميركي منقطع النظير.
هزيمة الاتفاق التركي- الليبي لا تتحقق بدعم الجنرال حفتر وإسقاط حكومة السراج، فحسب، إذ إن كلاً من مصر وسورية تحتاجان العمق الاستراتيجي الذي تشكله كل واحدة منهما للأخرى، ومن دون عمل مشترك بين الجيشين السوري والمصري وتوحيد جبهة المواجهة لتمتد من أقصى شمال سورية وحتى أقصى جنوب مصر، سيكون من الصعب إلحاق هزيمة نهائية بالعدو المشترك الرأسمالي- الصهيوني.

عن harka

شاهد أيضاً

دوغين والجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة.

يعد ألكسندر دوغين من أهم أعضاء الفريق الاستراتيجي الذي يحيط بالرئيس الروسي، بوتين، كما يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

var x = document.getElementById("audio"); x.play();